البنك الاحتياطي الفيدرالي تحت ضغط تداعيات الاضطرابات المصرفية ومخاوف التضخم
في اجتماع شهر مارس قام البنك الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة للمرة التاسعة على التوالي، واختار مواصلة حملته ضد التضخم المرتفع على الرغم من الضغط في الصناعة المصرفية بعد انهيار بنكين إقليميين.
صوّت صانعو السياسة في البنك الاحتياطى الفيدرالى بالإجماع على رفع سعر الفائدة القياسي بمقدار ربع نقطة مئوية لتصل إلى أقل بقليل من 5%، مما سيجعلها أكثر تكلفة بالنسبة للأشخاص الذين يسعون للحصول على قروض لشراء السيارات أو يحمل رصيدًا على بطاقات الائتمان الخاصة بهم، ويعتقد أعضاء لجنة تحديد سعر الفائدة أن المعدلات الأعلى قليلًا قد تكون ضرورية لاستعادة استقرار سعر تداول الدولار، كما يتوقعوا ارتفاع الأسعار بمقدار ربع نقطة مئوية أخرى بحلول نهاية هذا العام، وفقًا للتوقعات الجديدة التي تم إصدارها أيضًا في شهر مارس.
الاحتياطي الفيدرالي يواجه قرارًا صعبًا بشأن زيادة أسعار الفائدة
دفع البنك الاحتياطى الفيدرالى أسعار الفائدة إلى نطاق من 4.75% إلى 5%، ويتوقع المسؤولون ارتفاع آخر في الأسعار في عام 2023، على الرغم من أنهم لمحوا حتى أن هذا غير مؤكد، وذلك من خلال محاولتهم الإشارة إلى أنهم ما زالوا يركزون على مكافحة زيادات الأسعار، لكنهم كانوا ينتبهون أيضًا إلى التهديدات المالية.
قال رئيس البنك الاحتياطى"جيروم باول" أن البنك سيضع في الاعتبار البيانات الاقتصادية الواردة والتوقعات الاقتصادية عند التقييم لمزيد من رفع سعر الفائدة، كما أن التقييم سيضم التأثير الفعلي والمتوقع لتشديد الائتمان، وأضاف باول أن بعض القرارات التي تم اتخذها بالمزيد من رفع سعر الفائدة قد تكون مبررة.
وأكد في تصريحاته على أن التكهن بمزيدة من رفع سعر الفائدة غير مؤكد في الوقت الراهن بسبب الاضطرابات في الصناعة المصرفية التي قد تجعل امكانية الحصول على قرض أكثر صعوبة، مما قد يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي.
يتوقع المسؤولون أن يخفضوا المعدلات في عام 2024 بوتيرة أبطأ مما كان متوقعًا، بحيث ستبقي الأسعار عند 4.3% مع نهاية العام المقبل ارتفاعا من 4.1%، يشير ذلك إلى أن مدة الكفاح من أجل خفض التضخم إلى المستويات المستهدفة قد تكون أطول مما كان يتوقعه الكثيرون حتى قبل بضعة أشهر، على الرغم من أن التوقعات معقدة بسبب الاضطرابات المصرفية، وقد أكدت التوقعات وتصريحات باول معًا أن البنك المركزي الأمريكي يواجه لحظة معقدة.
وخلال العام الماضي رفع البنك الاحتياطى سعر الفائدة بوتيرة سريعة هي الأعلى منذ الثمانينيات من أجل السيطرة على مستوياته التضخم، ومع ذلك، كانت مستويات التضخم عنيدة بشكل مدهش، ولا يزال سوق العمل قويًا، الأمر الذي استدعي أن يكون البنك الاحتياطي الفيدرالي أكثر عدوانية بشأن سياسته النقدية.
لكن الإنهيارات المصرفية في الشهر الماضي سلطت الضوء على مخاطر السياسة العداونية السريعة لسعر الفائدة التي كشفت عن عدم الاستقرار المالي، حيث أعلن بنك سيليكون فالي عن افلاسه في 10 مارس نظرًا لأنه تكبد خسائر فادحة في ظل أسعار الفائدة المرتفعة، والأهم من ذلك، أن مشاكل البنوك تهدد بثقلها على الإقراض والإنفاق مما يرفع من مخاطر حدوث ركود.
تأتي التوترات المستمرة بشأن النظام المصرفي في وقت بدا فيه الاقتصاد قويًا، على الرغم من تعديلات سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي، حيث كان البنك الاحتياطى الفيدرالى يقوم برفع سعر الفائدة بوتيرة سريعة في العام الماضي مما زاد من تكلفة اقتراض الأموال، بهدف خفض التضخم وتهدئة مستويات الانفاق في نهاية المطاف، وقام البنك برفع سعر الفائدة بواقع 75 نقطة أساس بأربع زيادات متتالية في العام الماضي قبل أن يُخفضها إلى 50 نقطة أساس في ديسمبر و25 نقطة أساس في بداية فبراير.
قبل أسبوعين فقط من الأزمات المصرفية، اعتقد العديد من الاقتصاديين والمستثمرين أن محافظي البنوك المركزية قد يسرعون من تحركات أسعارهم مرة أخرى لأن البيانات الاقتصادية الواردة احتفظت بقدر كبير من الزخم، وألمح صناع السياسة إلى أنهم قد يراجعون توقعاتهم لمقدار ارتفاع أسعار الفائدة في عام 2023.
الانهيارات المصرفية فجرت ناقوس الخطر
كان بعض المراقبين قد حثوا البنك المركزي على إيقاف زيادات أسعار الفائدة مؤقتًا على الأقل، من أجل تقييم تداعيات انهيار بنك سيليكون فالي وبنك سيجنتشر في وقت سابق من شهر مارس، ومع ذلك، بدا أن التوتر في النظام المصرفي قد خفت حدته في الأيام الأخيرة، حيث قالت وزيرة الخزانة "جانيت يلين" حينها إن عمليات السحب الكبيرة من البنوك الإقليمية قد "استقرت"، وقال بيان للبنك الاحتياطي الفيدرالي: "أن النظام المصرفي الأمريكي لا يزال سليم ومرن".
في غضون ذلك، تستمر أسعار المستهلكين في التراجع بمعدل سريع، بلغ معدل التضخم السنوي في فبراير 6% بانخفاض من 9.1% في يونيو الماضي، لكنه لا يزال أعلى بكثير من الرقم المستهدف من قبل البنك الاحتياطى البالغ 2%.
وقال رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي "جيروم باول" للصحفيين خلال مؤتمره الصحفي بعد اجتماع البنك في مارس: "أنا وزملائي ندرك تمامًا أن التضخم المرتفع يفرض مشقة كبيرة لأنه يؤدي إلى تآكل القوة الشرائية، خاصة لأولئك الأقل قدرة على تلبية ارتفاع تكلفة الضروريات مثل الغذاء والإسكان والنقل".
البنك الاحتياطي الفيدرالي يتعرض لضغوط بسبب انهيار البنوك
يواجه البنك الاحتياطى الفيدرالى أيضًا تدقيقًا بسبب إشرافه على البنوك التي أعلنت افلاسها، وبحسب ما ورد، حدد مشرفو البنك الاحتياطى مشاكل في ممارسات إدارة المخاطر في بنك سيليكون فالي منذ سنوات، ولكن لم يتم تصحيح المشكلات وكان لابد من الاستيلاء على البنك من قبل الحكومة الأمريكية بعد معاناته من إدارة مصرفية ضخمة.
قال "مايكل بار" نائب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي لشؤون الإشراف: "نحتاج إلى التواضع وإجراء مراجعة دقيقة وشاملة لكيفية الإشراف على البنك وتنظيمه"، يجري بار تلك المراجعة ووعد بتقديم تقرير بحلول الأول من مايو، كما أنه سيدلي بشهادته أمام لجنتين بالكونجرس، ودعا آخرون إلى إجراء تحقيق مستقل في دور البنك الاحتياطي الفيدرالي في إخفاقات البنوك، وقال باول للصحفيين تعليقًا على الأزمة المصرفية: "من المؤكد 100% أنه ستكون هناك تحقيقات مستقلة".
مخاوف الركود تتزايد بسبب الاضطرابات المصرفية
سيحتاج الاحتياطى الفيدرالى إلى تقييم لتوضيح مدي تأثير انهيار المقرضين الإقليميين في تحديد مقدار رفع أسعار الفائدة في المستقبل، منذ انهيار بنك سيليكون فالي وبنك سيجنتشر من المتوقع أن تكون البنوك الأخرى أكثر تحفظًا بشأن تقديم القروض.
وقال بيان البنك الاحتياطي الفيدرالي: "من المحتمل أن تؤثر هذه التطورات الأخيرة على الائتمان حيث من المرجح أن تكون الشروط الائتمانية أكثر صرامة بالنسبة للشركات أو الأسر مما قد يؤثر على النمو الاقتصادى ومعدلات التوظيف ومعدلات التضخم، ولكن مدي حجم تلك التأثيرات لا تزال غير مؤكدة".
يقول أحد خبراء الاقتصاد أن الائتمان هو بمثابة البنزين التي تجعل عجلات الشركات الصغيرة تسير وتدير الاقتصاد الكلي، وإذا بدأ هذا الائتمان في الاختناق فسيكون هناك انسحاب كبير جدًا، يمكن أن يوفر ذلك مساعدة للبنك الاحتياطي الفيدرالي في كبح التضخم، لكنه يزيد أيضًا من مخاطر دفع الاقتصاد إلى الركود.
ومع ذلك، لا يتوقع صانعو السياسة في الاحتياطي الفيدرالي حدوث ركود، في المتوسط، يتوقع أعضاء لجنة البنك الاحتياطي أن ينمو الاقتصاد بنسبة 0.4% هذا العام ويتوقعون أن يرتفع معدل البطالة إلى 4.5% من 3.6% في فبراير.