رئيس التحرير
عصام كامل

الإفتاء توضح حكم الشرع في تحويل المقابر إلى مساكن

دار الإفتاء، فيتو
دار الإفتاء، فيتو

ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "يوجد لدينا في قريتنا المقابر تحفُّها المساكن من كل اتجاه. فهل يجوز هدم هذه المقابر ونقلها في مكان خارج القرية ويصبح مكان هذه المقابر المساكن؟"، وجاء رد الدار على هذا السؤال كالتالي:

كَرَّم اللهُ تعالى جِنسَ الإنسان بأنواع التكريم فجعله نَفيسًا غيرَ مبذول، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70]، وكان مِن تكريم الله لعباده حال كونهم أمواتًا هدايتهم للتدافن، كما قَصَّ الله تعالى علينا ذلك في قصة ابنَي آدم، وفيها: ﴿فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ﴾ [المائدة: 31]

 فكان ذلك مِن جُملَة نِعَم الله على بني آدم؛ قال تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا ۞ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا﴾ [المرسلات: 25-26] أي: أنعمنا عليكم بتسخير الأرض لمصالحكم فجعلناها كِفَاتًا لكم؛ أي: ضامَّة لأجسادكم فوق ظهرها حال حياتكم وفي جوفها حال موتكم، فكما أنَّ من نعم الله على عباده الأحياء أن أسكنهم الدور والقصور، فمِن نعمه على الأموات أن أسكنهم القبور؛ رحمة في حقهم، وسترًا لأجسادهم أن تكون بادية للسباع وغيرها، ومانعة من تأذي الأحياء بالرائحة ونحوها.

 

أحكام دفن الميت في الإسلام 

والدفن في الشريعة المطهرة يُعَدُّ مِن فروض الكفايات، وفرض الكفاية هو: كُلُّ مُهِمٍّ ديني يُراد حصوله ولا يُقصد به عَين مَن يتولاه، بحيث إنه إذا فعله مَن فيه كفاية سقط الحَرَجُ عن الباقين، وإن تركوه جميعًا أَثِمُوا جميعًا؛ قال الإمام النووي في "المجموع" (5/ 112، ط. المنيرية): [غُسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه فروض كفاية بلا خلاف] اهـ.


والمسلم إذا دُفن في موضع من المواضع الجائز الدفن فيها كان هذا الموضع حبسًا عليه ما دامت بقايا جسده قائمة لم تتحلَّل ولم تَستَحِل عظامُه إلى الصورة الترابية إلا لضرورة، ولا ينحلُّ هذا الحبس إلا بتحلُّل الجسد والعظام تمامًا بحيث يصير ترابًا.


قال العلامة الخرشي المالكي في "شرحه على مختصر خليل" (1/ 225، ط. دار الفكر): [القبر حَبسٌ لا يُمشى عليه ولا يُنبَش] اهـ.
 

شروط نقل المقبرة 

فنقل المقبرة إذن له صورتان:

الصورة الأولى: وفيها يكون المقبور لم تَتَحَلَّل بقايا جسده ولم تَستَحِل عظامُه إلى الصورة الترابية، فالأصل حينئذٍ هو حُرمة نقله؛ لما في ذلك مِن انتهاكٍ لحرمته، وقد وردت الشريعة المطهَّرة بتعظيم حرمة الميت؛ فروى أبو داود وابن ماجه وغيرهما عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كَسْرُ عَظمِ الْمَيِّتِ كَكَسرِهِ حَيًّا»، يعني: في الإثم، قال العلامة الطِّيبي في "شرح مشكاة المصابيح" (4/ 1412، ط. مكتبة الباز): [فيه دلالة على أن إكرام الميت مندوب إليه في جميع ما يجب كإكرامه حيًّا، وإهانته منهيٌّ عنها كما في الحياة] اهـ.


وقال العلامة ابن الحاج المالكي مُعَلِّقًا على الحديث في كتابه "المدخل" (3/ 242، ط. دار التراث): [وذلك عامٌّ في العَظم وغيره قَلَّ أو كَثُر، فكُل ما لا يَليق به في حال حياته لا يُفعل به بعد مماته، إلا ما أَذِن الشرع فيه، وما لم يأذن الشرعُ فيه فيُمنَع على كل حال] اهـ.


وقال فيه أيضًا (2/ 18، 19): [العلماء رحمة الله عليهم قد اتفقوا على أن الموضع الذي دُفِن فيه المسلم وَقفٌ عليه ما دام منه شيء ما موجودًا فيه حتى يَفنى، فإذا فني حينئذٍ يُدفن غيره فيه، فإن بقي شيءٌ ما من عظامه فالحرمة قائمة كجمعية، ولا يجوز أن يُحفَر عليه ولا يُدفن معه غيره، ولا يُكشف عنه اتفاقًا إلا أن يكون موضع قبره قد غُصِب] اهـ.


وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (1/ 331، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(يحرم نبش القبر قبل البِلى عند أهل الخبرة) بتلك الأرض؛ لهتك حرمة الميت] اهـ.

 

حكم الشرع في نقل المقابر

الصورة الثانية: أن يكون المقبور قد اندرس جسده وبَلِيَت عظامه واستحالت ترابًا، وحينئذٍ يجوز نقل المقبرة؛ بمعنى أن يدفن في غيرها من الأماكن، ويوقف الدفن فيها، ويمكن حينئذٍ أن ينتفع بها بوجه من وجوه الانتفاع الجائزة، وذلك بشرط أن يكون للناقل حق التصرف في الأرض، وألا يكون في ذلك مخالفة قانونية، فلا بد من الرجوع إلى القانون المنظِّم لهذا الأمر.


قال الإمام الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق" (1/ 246، ط. دار الكتاب الإسلامي): [ولو بَلِيَ الميت وصار ترابًا جاز دفن غيره في قبره وزرعه والبناء عليه] اهـ.


وقال الإمام النووي الشافعي في "شرح المهذب" (5/ 273، ط. المنيرية): [يجوز نبش القبر إذا بَلِيَ الميت وصار ترابًا، وحينئذٍ يجوز دفن غيره فيه، ويجوز زرع تلك الأرض وبناؤها وسائر وجوه الانتفاع والتصرف فيها باتفاق الأصحاب، وإن كانت عارية رجع فيها المُعِير، وهذا كله إذا لم يَبقَ للميت أثر من عَظم وغيره، قال أصحابنا رحمهم الله: ويختلف ذلك باختلاف البلاد والأرض، ويُعتَمَد فيه قول أهل الخبرة بها] اهـ.


وقال الإمام ابن قدامة المقدسي الحنبلي في "المغني" (2/ 194، ط. دار إحياء التراث العربي): [وإن تيقَّن أن الميت قد بلي وصار رميمًا جاز نبش قبره ودفن غيره فيه، وإن شك في ذلك رجع إلى أهل الخبرة] اهـ.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.


 

الجريدة الرسمية