الحرب الدينية في فلسطين
تجرؤ نتنياهو وحكومته علي تدنيس الأقصي ليس لأن حكومته اليمينية شديدة التطرف، ولكن ما يحدث مخطط منذ عام 1968 بعد نكسة يونيو، ولايزال في الذاكرة حريق الأقصي يومها قالت رئيسة الوزراء الصهيونية "جولدا مائير":
"لم أنم ليلتها وأنا أتخيل كيف أن العرب سيدخلون إسرائيل أفواجًا أفواجًا من كل حدب وصوب. لكني عندما طلع الصباح ولم يحدث شيء أدركت أن بمقدورنا أن نفعل ما نشاء فهذه أمة نائمة خاصة بعد قطع المياه عن المنطقة المحيطة بالمسجد في نفس يوم الحريق"..
وتعمَّدت سيارات الإطفاء التابعة لبلدية القدس التأخير؛ حتى لا تشارك في إطفاء الحريق وهي جريمة لا تسقط بالتقادم، ولكن رد فعل العرب والمسلمين هو من شجع الصهاينة من يومها لالتهام القدس بمن عليها، وقد كان الاقتحام الأخير من الإرهابي بن غفير بعد ساعات من قمة العرب في جدة..
التي كان أول بنود مقرراتها القضية الفلسطينية، وتكرار تدنيس الاقصي، ورد الفعل البليد يعطي شرعية لهؤلاء الإرهابيين وخاصة في ظل تنامي الأصوليات الدينية، وصعود اليمين المتطرف، ممن يؤمنون بالحرب الفاصلة بين الحق والباطل..
المسيحية الصهيونية وحرب يأجوج ومأجوج
فحرب يأجوج ومأجوج لأصوليتين مسيحية ويهودية ضد أصولية إسلامية، أو حرب هرمجدون التي سيخوضها المؤمنون ضد الكفار، التي ستنهي الشر من العالم.. أو حرب المسلمين الأخيرة ضد كل الكفار والمشركين.. وأي حرب دينية شمولية في المستقبل لن تنهي أي شر، ولن تقضي على أي شرير.. بل ستجلب ما لا حصر له من الأشرار، ولن تجلب سوى دمار البشرية الشامل، وربما دمار الكوكب برمته، وستفتح أبواب جهنم على مصراعيها.. على الجميع..
وكانت المسيحية الصهيونية تدعم عودة اليهود إلى فلسطين من منطلق روحي/ ديني بحت؛ من حيث تحقيق النبوءة، والعلاقة بين اليهود وتحقيق الوعد القائم على عودة المسيح المخلص، أي في إطار الاجتهادات اللاهوتية. ولكن، في السياسة أخذت المصلحة النفعية تتوارى خلف الستار الديني..
وكانت إصلاحات مارتن لوثر (1483-1546) قد تسببت في موجة من الحروب الدينية في عموم أوروبا، أدت لانقسام العالم المسيحي بين كاثوليك وبروتستانت، بعد أن تعمّقت الخلافات بين المذهبين في مسائل عديدة، من بينها الموقف من اليهود؛ إذ آمن تيار أصولي متشدد من الكنيسة البروتستانتية (البيوريتانية) بأن قيام دولة إسرائيل مسألة دينية، باعتبارها تجسيدا لنبوءات الكتاب المقدس، وتشكل المقدمة لمجيء المسيح المخلص..
وبالتالي رأت أن من واجبها مساعدة اليهود على العودة إلى أرض الميعاد، ثم انتشرت فكرة عودة المسيح في أنحاء أوروبا، وارتبطت بضرورة إعادة اليهود أولًا إلى فلسطين. الأمر الذي أدى فيما بعد إلى بروز ما عُرف بالصهيونية المسيحية.
ثم حدث انقسام آخر داخل المسيحية الصهيونية، ففي بدايات القرن التاسع عشر ظهرت مدرستان: البريطانية، تقول بأن اليهود سيتحولون للمسيحية قبل عودتهم لفلسطين. والأمريكية، تقول بأن اليهود سيعودون إلى فلسطين كيهود، ثم يتحولون للمسيحية. أما اليهود، ممن لا يعترفون بالمسيح، فما زالوا ينتظرون مسيحا آخر، تحدثت عنه التوراة!
بعض المسيحيين يعتقدون أن المسيح سيعود مجددًا (قبل الدينونة) فيتبعه اليهود وينضمون للمسيحيين لخوض معركة نهائية ضد الكفار! بعض المسلمين يؤمنون بظهور المسيح قبل قيام الساعة، ليقتل المسيح الدجال. والملفت للنظر، والغريب في الموضوع أن المسيحية الصهيونية تدعم اليهود الإسرائيليين لغاية غريبة: تحويلهم للمسيحية، أي القضاء على اليهودية عمليا.. والأغرب أنها تسعى لذلك تمهيدا لخوض حرب هرمجدون، التي سيُقتل فيها ملايين اليهود!
وبدا واضحا الآن إن جورج بوش الابن كان يكذب بشأن حربه على العراق، فلم يكن يبحث عن أسلحة الدمار الشامل، بل كان يبحث عن تابوت العهد في بابل!! وكان متحمسا للحرب، بسبب تصديقه خرافة خوض حرب يأجوج ومأجوج! فقد كان يتلقى "رسائل مشفّرة من الربّ"، حسب زعمه.
وهي خرافة خطيرة، حين يؤمن بها القادة، فقد سيطرت أسطورة هرمجدون على مخيلة العديد من رؤساء أمريكا، منهم جونسون، وريجان، وبوش، وترامب.. وكل قادة اليمين المسيحي يؤمنون بأن العالم يوشك أن ينتهي، والمسيح قادم، والملايين سيُقتلون في هَرْمجَدُّون، وأن روسيا هي يأجوج ومأجوج.