رئيس التحرير
عصام كامل

مهارات تنفيذ الدرس (2)

في سبيل تحقيق المعلم لأهداف الدرس من خلال أى إستراتيجية يستخدمها مع طلابه فإنه يحتاج إلى التمكن من مجموعة مهارات أساسية لا غنى عنها لأى معلم، وقد تناولنا بعض من هذه المهارات في المقالات السابقة، ومن هذه المهارات: مهارة التهيئة للدرس..

 

والتى تتمثل فى مجمل الأداءات (أقوال أو أفعال) التى يقوم بها المعلم من أجل إعداد الطلاب وتجهيزهم من النواحى العقلية والوجدانية والحضور الجسمى، حتى يكون الطلاب متقبلين لما يقدم لهم، من خلال جذب انتباهم للدرس الجديد، وتتميز بعناصر الدقة والسرعة فى الأداء والتكيف مع ظروف الموقف التدريسى، وكذلك توجد التهيئة الفيزيقية لحجرة الدراسة (البيئة التدريسية) من مقاعد وأثاث وإضاءة وتهوية.


كما يحتاج تنفيذ الدرس إلى توافر قدر كبير من الدافعية لدى الطلاب، ويمكن للمعلم إثارة الانتباه والدافعية لدى الطلاب من خلال إحدى الطرق التالية: العد التنازلى، التحدث إلى جماد، عرض فيلم قصير، طرح سؤال حول موضوع الدرس، استغلال حدث جارى فى المجتمع أو خبر فى صحيفة، وقيام المعلم بمثل هذه المبادرات التعليمية  يعد أمرًا ضروريًا لجذب انتباه الطلاب إلى الدرس الذى سيقدمه وتحويل فكرهم إليه الدرس.

هدف الأسئلة الجيدة

ويؤكد علماء التربية على أهمية امتلاك المعلم وتمكنه من مهارة إعداد الأسئلة وتوجيهها، حيث تعد الأسئلة من المكونات الأساسية والرئيسة لأى تدريس ناجح، لأنها من أفضل الوسائل اللازمة للحفاظ على الإثارة الفكرية فى الصف، وجعل البيئة الصفية بيئة نشطة بالتفاعل بين المعلم والطلاب وبين الطلاب بعضهم مع بعض.


وتستخدم الأسئلة فى جميع مراحل عرض الدرس، فى التهيئة والإثارة وأثناء تنفيذ الدرس، وكل إجراءات تحقيق الأهداف، وفى جميع أنواع التقويم، وتستخدم فى كل طرق التدريس وإستراتيجياته.


وإذا كان المعلمون يركزون في أسئلتهم على تذكر الحقائق فمن غير المتوقع أن يفكر الطلاب تفكيرا ناقدا ابتكاريا، لقد اقتصرت وظيفة الأسئلة في الطرائق التقليدية للتدريس على معرفة ما تعلمه الطلاب. 

ولكن الأسئلة الجيدة تهدف إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير. والسؤال الجيد يتسم بالوضوح، بمعنى أنه لا يترك مجالا للشك في هدفه، كما أن السؤال الجيد يستثير التفكير الإبداعي والتفكير الناقد لدى الطلاب، كما تساعد الأسئلة الجيدة على تحقيق الأهداف التي حددها المعلم لطلبته وبدرجة عالية من الإتقان.

الأسئلة الصفية


ماذا نعرف عن الأسئلة الصفية؟ إذا ما أردت أن تعمل بمهنة التدريس فإنك سوف تسأل أسئلة، لقد حدد الباحثون أن المعلم النموذجي يسأل مليون ونصف المليون سؤال خلال رحلته المهنية، والباحثون ما زالوا يعملون للتوصل إلى تحديد كم من هذه الأسئلة تتم إجابتها بشكل صحيح.. 

 

بينما يُقدر الآخرون من التربويين أن متوسط عدد الأسئلة للمعلم في الساعة ما بين (30 - 120) سؤالا وهذا الاعتماد غير العادي على الأسئلة لم يتغيّر مع مرور الوقت. ولنرجع إلى عام (1912) ففي إحدى الدراسات للصفوف الدراسية الأولي تبين أن (80%) من المناقشات الصفية تكونت من عدد كبير من الأسئلة والإجابة عنها أو التفاعل معها.


و من الشائع في المواقف الصفية أن يتبع المعلم إحدى إستراتيجيات ثلاث في توزيع الأسئلة:
1) أن يوجه المعلم الأسئلة إلى الطلاب الذين يتطوعون دائمًا بالإجابة، على افتراض أن الطلاب الآخرين سوف يتعلمون منهم.
2) أن يوجه الأسئلة أساسًا إلى أولئك الطلاب الذين لا يرغبون في المشاركة في المناقشة حتى يشجعهم عليها.


3) أن يوجه الأسئلة إلى كلا الفريقين، أي إلى أولئك الذين يتطوعون دائمًا بالإجابة، وإلى أولئك الذين لا يرغبون في المشاركة كي يحقق توزيعا أوسع للأسئلة. 


إما إذا اقتصر المعلم فى توجيه الأسئلة إلى البديل (1)، فقد أخطأ، لأن هذا هو جوهر المشكلة، فالمتطوعون بالإجابة من الذين سوف يستفيدون من التعبير اللفظي وحدهم. وكثيرًا ما توفر هذه الإستراتيجية تعزيزا متبادلا بين المعلم وبين ذلك العدد المحدود من الطلاب.


وفى حالة  أن اقتصر المعلم فى توجيه الأسئلة علي البديل الثاني (2) لن يحل المشكلة أيضًا، فعلى الرغم من أن الطلاب الذين لا يتطوعون بالإجابة يحتاجون أكثر إلى الاستفادة من ممارسة التعبير اللفظي، إلا أن توجيه الأسئلة لهم دائمًا سوف يقلل من رغبة المتطوعين في المشاركة في الإجابة، هذا إضافة إلى أن أولئك الذين لا يتطوعون بالإجابة، سوف يدركون سريعًا أنهم إذا رفعوا أيديهم فلن يُطلب منهم الإجابة.


أما البديل الثالث (3) فهو الأفضل، لأنه يتيح استفادة أكبر قدر ممكن من الطلاب ومشاركتهم في المناقشة، وسوف يجد كل طالب بقدر الإمكان فرصة ليختبر تفكيره من خلال التعبير اللفظي عن أفكاره، وهذه الفرصة تساعده على توضيح الأفكار غير الصحيحة، وتنمية الأفكار الصحيحة، وتؤدي إلى فهم أفضل للمفاهيم التي يتم التركيز عليها، فوجود الأفكار لدى الطلاب شيء، والقدرة على نقلها للآخرين شيء مختلف تمامًا. وإذا استطاع الطالب أن يرى قيمة الافكار وأهميتها فمن المرجح أن تزداد مساهماته في المناقشات الصفية.


وفي الوقت نفسه يمكن للمعلم جعل المناقشات في صفه هادفة، وأن تحقق الأسئلة أهدافها المنشودة من خلال تشجيعه لطلبته على المشاركة فيها، متبعًا في ذلك التقليل من حديثه أو محاضراته، وزيادة فرص التعبير اللفظي من جانب الطلاب.

قواعد استخدام الأسئلة


وتوجد مجموعة من القواعد التى يجب على المعلم الحرص على إتباعها لاستخدام الأسئلة ومن أهمها:
- عدم توجيه الأسئلة بصفة دائمة إلى مجموعة معينة من الطلاب دون بقية طلاب الصف، إذ يجب على المعلم تشجيع جميع الطلاب على المشاركة.


- يجب أن تشجع الأسئلة عمليات التفكير، وليس مجرد سرد المعلومات، وأغلب الأسئلة التى تساعد على ذلك هى بـ(لماذا أو كيف) وليست الأسئلة التى تبدأ بـ (متى وأين). 


- يجب إعداد الأسئلة بإتقان فى مرحلة التخطيط للدرس، بحيث تصمم وتصاغ بدقة لتخدم أهداف الدرس، وتسلسل بانسجام أيضًا لتؤدى إلى المخرجات التعليمية المعبرة عن الأهداف ويشمل ذلك (دقة السؤال – وقصره – وضوح المطلوب منه بحيث يكون مفهوم لدى المتعلم من أول وهله).


- يجب أن يكون المعلم مرنًا فى تلقى الإجابات من الطلاب، فلا يتوقع إجابة محددة فى ذهنه بل يجب أن يتوقع إجابات متعددة متقاربة تدور حول المطلوب، وتتطلب مرونة المعلم القدرة على تبسيط السؤال الواحد إلى سؤالين فرعيين أو أكثر عندما تقتضى الحاجة.


- يجب أن يبعد المعلم عن الأسئلة المضيعة للوقت دون أعمال فكر الطلاب، ومن أمثلتها تلك التى تنتهى إلى ترديد ما سبق أن ذكره المعلم أو الأسئلة التى تنتهى إجابتها بكلمتى نعم أو لا.


- يجب أن ينتبه المعلم دائمًا إلى أهم قاعدة فى مجال طرح الأسئلة وهى وقت الانتظار لمدة ثوان بعد إلقاء المعلم السؤال، حتى يتسنى للطلاب بدء العمليات العقلية، ومدة الانتظار لا تزيد عن خمس ثوان قبل أن يسمح المعلم للطلاب بالإجابة، حيث إن تشجيع الطلاب على الإجابة بسرعة أمر يضر بالهدف من استخدام الأسئلة كوسيلة للتدريب على التفكير.


- يجب أن يغير المعلم من طريقته فى توجيه الأسئلة، ففى بعض الأحيان يمكن أن يحدد الطالب الذى يوجه إليه السؤال، وأحيانًا يحدده بعد إلقاء السؤال، وأحيانًا يترك السؤال متاح للجميع، وهكذا مما يجعل الطلاب متوقعين اختيارهم للمشاركة فى الحوار، ويقلل من الضجة التى تصاحب تسابق الطلاب إلى الإجابة.


- يجب أن يستخدم المعلم عبارات أو كلمات المدح والثناء، وكذلك حركات الجسم والوجه التى تشجع الطلاب على الاستمرار فى الإجابة، والسير قدمًا فى التعبير عما يدور فى ذهنهم من أفكار وتشجيعهم على تكرار المشاركة.


- يجب عدم استخدام الأسئلة التى يقصد من خلالها تعجيز الطلاب وتحقيرهم.


وأود أن أذكر المعلم أن غزارة المادة العلمية شرط مهم لنجاح عملية التدريس بوجه عام، ولاستخدام الأسئلة بوجه خاص، فإذا سأل المعلم الطلاب سؤالًا، وجاءت إجاباتهم متنوعة، فكيف يحكم على الصحيح من الخطأ منها مالم تكن لديه معلومات كافية فى تخصصه، وتكون لديه ثقافة عامة فى المجالات الأخرى القريبة من مجال التخصص.

 مهارة صياغة وطرح الأسئلة


ومن أهم الممارسات المهنية التى يجب على المعلم اتباعها ما يلى:
- صياغة السؤال تكون واضحة المعنى، مفهومة المقصد بحيث لا يختلف الطلاب فى فهمها، ويتم ذلك أثناء تخطيط المعلم للدرس أو عند طرح سؤال فى أى وقت عند تنفيذ الدرس.


- السؤال يكون قصير كلما أمكن ذلك، ولا يستخدم المعلم كلمات غير مألوفة لدى الطلاب.
- التأكد من هدوء غرفة الصف قبل طرح أى سؤال حتى يكون السؤال مسموعا من جميع الطلاب، ومن غير المفضل إعادة طرح السؤال بسبب الضوضاء.


- على المعلم محاولة تشجيع الطالب الذى أخطأ فى الإجابة أو الذى أعطى إجابة غير مكتملة باستخدام بعض العبارات مثل: فكر مرة أخرى، أو يمكنك إعطاء إجابة أفضل لو فكرت أكثر، أو كلامك معقول ولكنه يحتاج إلى توضيح أكثر.. إلخ.


- لا يترك المعلم الطالب الذى أخطأ دون أن يعرف الإجابة الصحيحة، ومن المهم متابعة هذا الطالب بتوجيه فكره، وتنمية قدراته على التفكير والمشاركة.


وأود فى نهاية هذا المقال أن أشير إلى أهمية مهارة صياغة وطرح الأسئلة ونوعيتها كمهارة حاسمة فى التعليم، فإذا كنت عزيزى المعلم تطرح فى أثناء تدريسك أسئلة تثير التفكير ومتنوعة فإنك تُعلم بشكل جيد، ومن خلال الاستغلال الماهر للسؤال يكّمن الفن الجميل للتعليم، ولقد أشار "جون ديوى" إلى أن التفكير هو بذاته السؤال، وأن استخدام الأسئلة السابرة يُمكّن المعلم من ايجاد بيئة تعليمية فعالة وقوية.

 


إن القدرة على توجيه الأسئلة الجيدة (السابرة) ليست موهبة فطرية لا يمتلكها إلا بعض المعلمين، دائما هى مهارة يمكن أن تكتسب وتنمَى بالممارسة، وكلما سأل المعلم أسئلة أكثر كلما عمل الطلبة بجد أكثر.

الجريدة الرسمية