حكاوي زمان، أحمد زويل وقيمة الوقت وحكاية السكرتيرة الآلية في مكتب صلاح منتصر
في كتابه كلام في الوقت الضائع، كتب الكاتب الصحفى صلاح منتصر الذى تمر هذه الأيام الذكرى السنوية الأولى لرحيله مقالا عن قيمة الزمن، قال فيه:
كان المصريون القدماء أول من عرفوا حساب الزمن، واكتشفوا أكبر وحدة زمنية وهى السنة، كما كان الدكتور أحمد زويل آخر من اكتشف أصغر وحدة زمنية وهى الفيمتوثانية، ومع ذلك فإن قيمة الزمن لدينا تكاد تكون معدومة.
ففى المواعيد يقول لك صديق أنه سيمر عليك بعد الظهر، وهذا معناه أنه سيفوت عليك بين الواحدة ظهرًا والعاشرة مساءً، وأى اجتماع من النادر، بل من المستحيل أن يبدأ فى موعده، فقد تعود الناس على عدم احترام المواعيد.
وفى وقت من الأوقات كنت حريصا على احترام المواعيد وإذا ذهبت إلى العشاء فى الميعاد يجئ الضيف أو المدعو الثانى بعدى بساعة أو ساعتين وهكذا، فظاهرة الخصام السائد بيننا وبين المواعيد المضبوطة ظاهرة غريبة، وليس هناك شعب ينافس الشعب العربى فى عدد الساعات التى يملكها، وأكثر الذين لا يحترمون المواعيد هم الذين يملكون أشيك وأغلى الساعات.
وظهرت الساعة أول مرة عام 1500م إلا أن أول ساعة وضعها إنسان حول يده كانت عام 1904 عندما تمكن الفرنسى لى كارنييه والسويسرى هانس فيلسدروف أن يتوصلا فى وقت واحد إلى اختراع ساعة اليد قد حملت ساعة الأول “كارنييه” وساعة الثانى “رولكس” ولأنها كانت ثقيلة لم ينتشر استعمال ساعات اليد فى البداية، بينما انتشرت فيه ساعات الجيب “الكتينة والسلسلة.
ثم تمكن صناع الساعات من الاستغناء عن البندول والرفاص واستبدلت بنظام الكوارتز، وأنتجت ملايين الساعات الرخيصة الخفيفة المضبوطة وقلدت أشهر الماركات العالمية.
وأنا فى مكتبى وعوضا عن السكرتيرة الآدمية، أدخلت نظام السكرتيرة الآلية أي نظام التليفون الذى يستطيع فيه المتحدث أن يسجل فيه رسالة صوتية، وهذه الرسالة حددتها بدقيقة واحدة حتى يتمكن المتصلين من تسجيل رسائلهم، لكن ما كان يحدث أن البعض كان يستغل هذه الدقيقة فى الشكوى من أن دقيقة واحدة لا تكفى لشرح مشكلته، وتنتهى الدقيقة دون تسجيل رسالته.
وأذكر أنه أتيح لى منذ سنوات حضور إحدى جلسات البرلمان الأوروبى فى لوكسمبرج ولاحظت أن رئيس الجلسة يحدد لأى متحدث مدة لا تتجاوز دقيقتين، وكان هناك من منحوا دقيقة واحدة، ولا أبالغ أن هناك من منحوا 30 ثانية فقط..
وكانت مهمة رئيس الجلسة أن يضبط الوقت الممنوح للعضو ثم يترك الأجهزة الآلية تعمل وحدها بحيث ينقطع الميكروفون أتوماتيكيا عن العضو غير الملتزم بالوقت الممنوح له، وكانت من أمتع الجلسات التى حضرتها، ولم يكن فى يد كل عضو ساعة ثمينة ذهبية أو ماسية وإنما كانت هناك فى وسط القاعة ساعة كبيرة.
نحن فعلا اكتشفنا الزمن من أكبر وحدة إلى أصغر وحدة زمنية ولكن الآخرين احترموه، وتركونا نتكلم فى الوقت الضائع.