سامح عسكر يكشف جهود شيخ الأزهر الأسبق في حصار التشدد والتطرف قبل الوصول إلى مصر
قال سامح عسكر، الباحث في التراث الإسلامي، إن شيخ الأزهر الأسبق محمد الأحمدي الظواهري أحد أعظم من أنجبت مصر، ولفت عسكر إلى أن الأحمدي الظواهري، وقف ضد سيطرة الوهابية على الحجاز وحذر من خطرهم على مصر وعلى العرب والمسلمين
موقف الظواهري من زحف الوهابية على المنطقة
وأوضح الباحث أن الظواهري أحد هم تلاميذ شيخ الأزهر الأسبق الشيخ محمد عبده، ومن خلاله عرف خطر الوهابية والتشدد السلفي والتطرف، وفور سيطرة هؤلاء على الحجار ضغط على الملك فؤاد أن لا يسمح بتمددهم في مصر خوفا من نشرهم التكفير وأفكار الإسلام السياسي في مواسم الحج، وقد صدق تنبؤه.
ولفت عسكر إلى أن شيخ الأزهر الأسبق كان له كتاب في شبابه إسمه "العلم والعلماء"، نادى فيه بإصلاح الفكر الديني على غرار دعوات محمد عبده والأفغاني، موضحا أنه استكمل مسيرته في المنادة بالإصلاح بعد أن ترأس المؤسسة الدينية الرسمية في مصر.
واختتم: كان صاحب دعوة إصلاحية، لكن تصدى له الملك فؤاد شخصيا مما أجبره على الاستقالة.
من هو الشيخ محمد الأحمدي الظواهري
يذكر أن الشيخ محمد الأحمدي إبراهيم الظواهري، هو أول شيخ قبيلة عربية يتولى مشيخة الأزهر، وفي أيامه أنشئت الجامعة الأزهرية الحديثة ومجلة الأزهر ومطبعته، وفي عهده أرسلت بعوث الدعوة إلى الصين واليابان والحبشة والسودان للدعوة إلى الإسلام، ومن كتبه كتاب «العلم والعلماء» وصودرت نسخه وقت صدوره، كما له كتاب «براءة الإسلام من أوهام العوام» لا يزال مخطوطا.
عن مولده ونشأته
ولد بقرية كفر الظواهري بمحافظة الشرقية سنة 1887 م، وسماه والده محمد الأحمدي تيمنًا باسم السيد أحمد البدوي، حيث كان أبوه من خيرة علماء الأزهر، فعُنِيَ بتعليم ابنه، وتعهده بنفسه، وفي الوقت نفسه كان يتردد على حلقات العلم بالجامع الأزهر، ولم يكن يلتزم بدراسة كتاب محدد، أو يتقيد بحضور درس شيخ معين.
عندما اطمأن الشيخ إلى ما حصّل، وأنه قادر على الوقوف أمام لجنة الامتحان قرر التقدم للامتحان وكان الامتحان شاقًا، لا يجتازه إلا من بذل غاية جهده في القراءة والبحث ومعرفة دقائق العلم- حيث كانت تتألف لجنة الممتحنين عادة من كبار علماء الأزهر، وتمطر الطالب بأسئلة تكشف عن حقيقة ما حصّل، وتنتقل من علم إلى آخر، وعلى الطالب النابه أن يجيب على ذلك.
امتحن الأحمدي الظواهري أمام الشيخ محمد عبده، الذي تقرر أن يرأس اللجنة بدلًا من الشيخ سليم البشري شيخ الجامع الأزهر، فتطرّق الخوف إلى قلب الطالب؛ فأحسن في العرض، وهو ما جعل الإمام يُثني عليه ويقول له: لو كان عندي أرقى من الدرجة الأولى لأعطيتك إياها.
في معهد طنطا الأزهري
ما كاد الشيخ الأحمدي ينال العالمية من الدرجة الأولى حتى رشحته مواهبه للتدريس بالقسم العالي بمعهد طنطا، وانتدبه شيخ الأزهر لهذه المهمة على الرغم من حداثة سنه، وجلال المعهد الذي كان يُعد أقدم المعاهد الأزهرية بالأقاليم، ويلي الأزهر في المكانة والمنزلة، ويمنح شهادة العالمية لطلبته مثل الأزهر.
كان المعلم الشاب موهوبًا، فلفت الأنظار إليه، واتسعت حلقته العلمية، وأقبل الطلاب عليه لغزارة علمه، وجمال عرضه، وقدرته على الإقناع والإفهام، وألّف في هذه الفترة كتابًا بعنوان «العلم والعلماء» دعا فيه إلى الإصلاح، وكان ينحو في دعوته منحى شيخه محمد عبده، وأثار الكتاب ضجة كبيرة، وامتعض منه الخديوي عباس حلمي.
في أغسطس 1907 توفي إبراهيم الظواهري والد الأحمدي، وكان يشغل مشيخة معهد طنطا، التي تلي من الناحية الرسمية مشيخة الأزهر، وسمت نفس الأحمدي إلى أن يخلف والده في هذا المنصب، وأيده أعيان طنطا وكبراؤها، فكاتبوا الخديوي عباس حلمي يرجونه تنفيذ هذه الرغبة، لكن صغر سن الشيخ الذي لم يتجاوز الثلاثين وقف حائلًا دون تحقيق هذا الأمل، وحين عرض عليه منصب وكالة المعهد تمهيدًا للمشيخة في الوقت المناسب، رفض الأحمدي وقال لأحمد شفيق باشا الذي نقل إليه هذا العرض: «إنني أشكر جناب الخديويي وأشكر سعادتكم، ولكني لا أزال على موقفي، فإما شيخًا فأقوم بالإصلاح، وإلا فسأبقى مدرسًا كما أنا».
وعاد الأحمدي الظواهري إلى القسم العالي بمعهد طنطا يدرس لطلبته المصادر الكبرى التي لا تُدرس إلا لطلبة العالمية في الأزهر، فقرأ على طلبته مختصر ابن الحاجب في أصول الفقه، والعقائد النسفية في التوحيد ودلائل الإعجاز لعبد القاهر في البلاغة، وصحيح البخاري.
ولما خلا مكان شيخ معهد طنطا شغله الظواهري، وفي عهده افتتح المبنى الجديد للمعهد، وحضر الخديوي حفل الافتتاح، وحاول الشيخ أن يجري إصلاحات عديدة في المناهج الدراسية ووسائل التدريس كما أنشأ عدة جمعيات للطلاب في الخطابة واللغة والتوحيد، يبث من خلالها أفكاره الإصلاحية، وأنشأ مجلة للمعهد وأسهم بماله في تكوينها، فكانت لسان المعهد وتعبيرًا عن أنشطته الثقافية.
ولما تولّى الملك فؤاد عرش البلاد توقفت صلته بالأحمدي الظواهري، وتغير من ناحيته، واستحكم العداء بينهما، وتوالت الدسائس، وكان من نتيجتها إلغاء القسم العالي بمعهد طنطا إنقاصًا لأهميته، وبالتالي أهمية شيخه، ثم صدر قرار بنقل الظواهري شيخًا لمعهد أسيوط.
الدفاع عن الأزهر
تجددت الدعوة إلى النهوض بالأزهر في عام 1925م، وكان من بين الصيحات ضرورة جعل الأزهر تابعًا لوزارة المعارف وتكون لها السيطرة عليه، على أن يبقى لشيخه مظهره الديني ووضعه اللائق في الرسميات، وكان سينتهي إلى إلغاء الأزهر وهدم مكانته التاريخية ومنزلته في العالم الإسلامي، وكان للشيخ الظواهري موقف قوي، حيث ثار على هذا الرأي، ورأى فيه خطرًا داهمًا على الأزهر.
تولى الشيخ الأحمدي الظواهري مشيخة الجامع الأزهر في 10 من أكتوبر 1929م) وتعلقت الآمال بالشيخ الجديد، الذي سبق وأعلن عن منهجه الإصلاحي وكان الإمام عند حسن الظن، فخطا خطوة موفقة في مجال إصلاح الأزهر، ولعلها أبرز هذه الخطوات لما ترتب عليها من نتائج، كان أبرزها ظهور الكليات الأزهرية التي صارت نواة الجامعة الأزهرية.
تضمن «قانون إصلاح الأزهر» الذي صدر في عهده سنة 1930م) جعل الدراسة بالأزهر أربع سنوات للمرحلة الابتدائية، وخمس سنوات للمرحلة الثانوية، وألغى القسم العالي واستبدل به ثلاث كليات هي: كلية أصول الدين، وكلية الشريعة، وكلية اللغة العربية، ومدة الدراسة بها أربع سنوات، يمنح الطالب بعدها شهادة العالمية، وأنشأ القانون نظامًا للتخصص بعد مرحلة الدراسة بالكليات الثلاثة.
نقل هذا القانون الطلاب من الدراسة بالمساجد إلى مبان متخصصة للتعليم، وتحول بنظام الحلقات الدراسية التي كانت تعقد بالأزهر إلى نظام الفصول والمحاضرات، وأصبحت كل كلية مسؤولة عن التعليم، وتتولى الإشراف على البحوث التي تتصل بعلومها، وأطلق على القسمين الابتدائي والثانوي اسم «المعاهد الدينية»، وكان هذا القانون خطوة حاسمة في سبيل القضاء على نظام الدراسة القديمة، وبداية ميلاد جامعة الأزهر.