المبادرة غير النزيهة
اعتدت قراءة المقالات التي يكتبها رئيس تحرير فيتو الكاتب الصحفي عصام كامل، ومتابعة مقالاته من باب ترأسه لمجلس التحرير الذي أشرف بأنني أحد أعضائه، وطبيعة عملنا المكلفين به تفرض علينا متابعة وقراءة ما يُنشر بالصحيفة والبوابة الإلكترونية، ولهدف آخر في نفسي متعلق بمحدودية الكتَّاب -هو ضمنهم- الذين أصبحت أتابع ما يسطرونه من مقالات رأي نتيجة حالة الشُّح المهني الذي نعيشه، وتحول أغلب المقالات -إلا من رحم ربي- إلى دروس في كيفية نفاق السلطة.
في سطور مساحة الرأي التي قررت كتابتها رغم اعترافي بعدم إجادتي لهذا الفن الصحفي -المقالات- مقارنة بما اعتدت صياغته سواء تقارير أو تحليل لأحداث خارجية أزعم أن سنوات العمل الماضية منحتني -بعد كرم الله- القدرة على رؤية المشهد من جوانب مختلفة.
وحتى لا أطيل في التمهيد أعود إلى مقال الأستاذ عصام كامل الأخير، الذي جاء تحت عنوان: المبادرة، تطرق فيه هذه المرة إلى الشأن السوري، بعيدًا عن إشكاليات القضايا الداخلية التي اعتاد الاشتباك معها بالنقد أو التأييد. ولكون مقال المبادرة متعلقًا بالشأن الخارجي الذي هو طبيعة عملي بالصحافة منذ سنوات، فقد زاد اهتمامي بكل ما جاء فيه من فاتحة عنوانه وحتى الخاتمة، ولاحظت في سطور المقال تعاطفًا مع مبادرة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، باعتبارها نموذجًا يمكن البناء عليه لحل أزمة العزيزة سوريا داخليا، بعد عودتها إلى محيطها العربي وشغل مقعدها مجددًا بمجلس الجامعة العربية.
مبادرة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا
واعتبر المقال أن بنود مبادرة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا التي سردت خلال سطوره يمكن اعتمادها فكرةً لحوار بنَّاء، تحت مظلة عربية بما لا يتعارض مع قرار مجلس الأمن 2254، وجميع القرارات الأممية ذات الصلة، للوصول إلى نموذج حكم ديمقراطي يرعى خصوصية المكون السوري دون إقصاء أو تهميش.
ولكني اعتدت الاختلاف في بعض الجوانب المهنية مع رئيس التحرير مثلي مثل غيري من الزملاء، وهي مساحة يسمح هو نفسه بها بسعة صدر لتعود بالنفع على القارئ؛ قررت توضيح بعض الأمور غير النزيهة في مبادرة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.. وهي كونها طرحًا قديمًا تم عام 2015، وأعاد أصحابه إنتاجه نهاية أبريل الماضي بهدف توريط الدول العربية في دعمهم.
كما أن بنود مبادرة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا الـ 9 التي يمكن وصفها بالبرَّاقة أشبه بفخ لاصطياد المتعاطفين مع سوريا والحالمين بعودتها إلى ما كانت عليه؛ لكونها شددت على وحدة الأراضي السورية، واستعداد أعضاء الإدارة الذاتية للقاء الحكومة السورية والحوار معها ومع جميع الأطراف من أجل التشاور والتباحث لتقديم مبادرات وإيجاد حلول للأزمة
وغاب عن بيان البنود الـ 9 موقف الإدارة الذاتية القائمة من الوجود العسكري الأمريكي الذي بات أشبه باحتلال رسمي من خلف ستار، كما أن الأشخاص أصحاب المبادرة أنفسهم يعلم القاصي والداني أن قراراتهم تصدر من البيت الأبيض وليس من البيت العربي في الإقليم!
بالإضافة إلى أن هدف الانفصال في عين تلك المبادرة المزعومة، وهو الأمر الذي تصدت له سوريا الرسمية، رغم أزمتها خلال العقد ونيف الماضي سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا، وهو أمر يحسب لدمشق وتمسكها بوحدة الأرض، وتحديها لجميع المؤامرات التي تُحاك وحيكت لهذا الشأن.
كما أن مبادرة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ومن وجهة نظر المراقبين للقضية جاءت بعد شعور الإدارة الذاتية بالضعف وخسارة الأوراق، خصوصًا بعد تطبيع العلاقات بين سوريا والسعودية..
والأخيرة -السعودية- كانت من أبرز الداعمين خلال الـ 12عامًا الماضية، وكان لزيارة وزير الدولة السعودي لشئون الخليج العربي الأسبق ثامر السبهان إلى الرقة في أكتوبر 2017، صدى كبير إقليميًّا ودوليًّا حول التحالف بين الرياض والأكراد، ودافعت المملكة وقتها عن ذلك الأمر بتوضيح هدفها المُنصَب على محاربة داعش، بينما اعتبرها البعض جاءت في سياق الكيد السياسي مع تركيا وقت الخلافات بين الرياض وأنقرة.
أصحاب مبادرة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا تجاهلوا أيضا الحديث عن الذراع العسكري لهم المسمى «قسد» ومصيره فيما بعد، خصوصا أنه تنظيم عسكري يتلقى دعمًا هائلًا من أمريكا على مستوى التدريبات والمعدات، وارتكب من الجرائم الموثقة ما يكفي للتحقيق مع عناصره في الجنائية الدولية، وظل طوال سنوات مستترًا وراء محاربة داعش لتبرير جرائمه.
الخلاصة.. تلك المبادرة غير النزيهة والملغومة، تحمل أهدافًا مستقبلية خبيثة، ترمي إلى الاستيلاء على جزء من أرض عربية بمباركة سياسية، لنصل في نهاية المطاف إلى تكرار ذات النموذج الحادث في السودان بين الجيش الرسمي وميليشيا "الجنجويد" المسماة الدعم السريع.