15 عاما مرت على رحيل الكاتب محمود السعدنى رائد الكتابة الساخرة
الكاتب محمود السعدنى..الولد الشقى أستاذ الكتابة الساخرة في الوطن العربي، أحد كبار كتاب الصحافة المصرية، مشوار كفاح صعب فى بلاط صاحبة الجلالة، أحب مهنته ففصل منها، كتب مقالات ساخنة فكان نصيبه السجن والاعتقال، له ذكريات جميلة وعظيمة فى مقهى صغيرة بالجيزة تسمى قهوة عبدالله ضمتها أغلب مؤلفاته، ورحل فى مثل هذا اليوم عام 2010 اثر ازمة قلبية.
ولد محمود عثمان إبراهيم السعدني الشهير بـ محمود السعدني عام 1927 في محافظة المنوفية، وعمل في بدايات حياته الصحفية في عدد من الجرائد والمجلات الصغيرة التي كانت تصدر في شارع محمد علي بالقاهرة، وكانت انطلاقته الكبرى من مجلة " الكشكول" التي كان يصدرها مأمون الشناوي حتى إغلاقها،وعمل في مجلة روز اليوسف وقت كان احسان عبد القدوس رئيسا لتحريرها
السادت يفصل السعدنى من الجمهورية
أيد محمود السعدني ثورة 23 يوليو، وعمل في جريدة الجمهورية التي أصدرها مجلس قيادة الثورة، وكان رئيس مجلس إدارتها أنور السادات ورئيس تحريرها كامل الشناوي، لكن بعد تولي السادات منصب رئاسة البرلمان، تم الاستغناء عن خدمات محمود السعدني من جريدة “الثورة”، أسوة بالعديد من زملائه، منهم بيرم التونسي وعبد الرحمن الخميسي
السجن والاعتقال مرتين
كما تعرض الكاتب محمود السعدنى للاعتقال أكثر من مرة في عهدى عبد الناصر والسادات، فأثناء زيارة صحفية إلى سوريا قبيل الوحدة بين البلدين، حيث طلب أعضاء الحزب الشيوعي السوري من السعدني توصيل رسالة مغلقة للرئيس جمال عبد الناصر، فقام بتسليمها لأنور السادات دون أن يعلم محتواها، وكان في الرسالة تهديد لعبد الناصر، فألقي القبض عليه وسجن ما يقارب العامين، وأفرج عنه بعدها وعاد للعمل في روز اليوسف بعد تأميمها، ثم تولى رئاسة تحرير مجلة “صباح الخير”،
وعقب وفاة عبد الناصر حدث صراع على السلطة بين الرئيس أنور السادات وعدد من المسئولين المحسوبين على التيار الناصري، مثل شعراوي جمعة وسامي شرف ومحمود فوزي وغيرهم، وانتهى الصراع باستقالتهم واعتقال السادات لهم، وتقديمهم للمحاكمة بتهمة محاولة الانقلاب، وكان اسم محمود السعدني ضمن أسماء المشاركين، فقبض عليه وتمت محاكمته أمام محكمة الثورة، مما اضطره الى الخروج من مصر الى عدة دول عربية ومنها الى لندن فعاش فيها سنوات بعيدا عن مصر ليصدر مجلة 23 يوليو من هناك بتمويل غير معلن من الشارقة.
رحلات ابن عطوطة
عاد محمود السعدنى الى مصر بعد رحيل السادات عام 1981، وأصدر مجموعة من المؤلفات الساخرة كلها تسجيلا لسيرته الذاتية منها: الولد الشقى، أمريكا ياويكا، المضحكون، الموكوس في بلاد الفلوس، حمار من الشرق، تمام يافندم، مسافر على الرصيف، قهوة كتكوت، رحلات ابن عطوطة،.
يقدم محمود السعدنى نفسه الى القراء فيقول: أخوكم العبد لله محمود بن عثمان بن محمد بن على بن السعدنى الشهير بمحمود السعدنى، رحلة قطعتها عبر سنوات طوال على مقعدى فى مقهى بلدى فى الجيزة هى قهوة عبد الله، وعبد الله رجل بلا شأن لكنه دخل التاريخ من أوسع أبوابه، المقهى أنواره باهتة ومقاعده مهشمة لكن شهرته أوسع من ميدان الجيزة نفسه. التقيت فى هذا المقهى بعشرات من الأدباء والشعراء والفنانين معظمهم تتلمذت على يديه وبعضهم زاملته وبعضهم تأستذت عليه.. نماذج من البشر لن يجود الزمان بمثلهم، اجتمعوا طويلا ثم انفضوا جميعا، بعضهم اختطفه الموت، والبعض هرسه الزمن الغادر وبعضهم طرده الجمود والنكران إلا أنهم جميعا من زبدة مصر وسحرها وحفنة من ترابها، إنهم مصر نفسها وبدونهم ربما لا تكون مصر.
وأضاف محمود السعدنى: أسماء لمعت وأسماء انطفأت وخطوط طقطقت وخطوط اندثرت، بهم نشبت معارك وبسببهم تحقق الخلود لأيام وحكمة الله أن رواد المقهى من الأدباء سلكوا طرقا مختلفة لكن الغاية كانت واحدة وجميعهم هاموا حبا بمصر لكن أحد منهم لم يفز بها.. نماذج لن تتكرر وشخصيات كان يكفى أن تأتى واحدة منها فى كل عصر لتزينه وتبهجه وتنشر النور فيه: أنور المعداوى، زكريا الحجاوى، عبد الرحمن الخميسى، عبد القادر القط، زهدى، عبد الحميد قطامش،عباس الشيخ، نزار قبانى، محمود حسن إسماعيل، نعمان عاشور، محمد كامل حسين، صلاح عبد الصبور، صلاح جاهين، يوسف ادريس، رجاء النقاش، حسن فؤاد، طوغان،وغيرهم كثير.
محمود السعدنى على سرير المرض
مرض محمود السعدنى فكتب على سرير المرض يقول: مضى العمر وولت سنوات الشباب من بين أصابعى دون أن أدرى، ماتت البسمة على شفتى لا أدرى لماذا، وانهارت ذاكرتى حتى شعرى راح يتآكل كأنه فروة خروف جربان، وازددت صلعا وقلة قيمة وأنا حي أرزق، وبعد أن كان الأكل لذة أصبح لعنة، والليل الذى كان سميرى أصبح عدوى اللدود، وإذا سهرت ليلة نمت من المغرب كالفراخ، حتى صعود السلم أصبحت لم أقدر عليه، أتوكأ على عصا، وعلى عيني نظارة،
سأحشر فى زمرة الصحفيين فى الآخرة
وأضاف محمود السعدنى:لكنى أتمنى من الله ولا يكثر على الله أن يصدر قرار استثنائى بأن يظل بعض الناس الطيبين أحياء إلى آخر الزمان وأن أكون واحدا منهم، فأنا أخشى أن يحملنى الأصدقاء يوما ليقذفوا بى فى حفرة ثم يسهرون فى الليل يرددون نكاتى ومشاغباتى معهم، لقد دفعت دفعا من مرحلة الطفولة الى مرحلة الكهولة دون أن أمر بمرحلة الشباب، سأعيش صحفيا وأموت صحفيا وسأحشر يوم القيامة فى زمرة الصحفيين.