رئيس التحرير
عصام كامل

متلازمة الإصلاح والتنمية.. آليات النجاة ومخاوف الغرق

استكمالًا لحديثنا السابق عن متلازمة الاصلاح والتنمية وفى سياق الحديث عن نظرية الثلث في المئة التى تناولتها عبر المقالتين السابقتين.. إذ ينبغي هنا الحديث عن فلسفة تلك النظرية، والتي تنطلق من فكرة مؤداها أن وصف المجتمع بأنه مجتمع ناهض أو منتج أو صالح لا يعنى أن (  50 % + 1)  من أبناء هذا المجتمع ينبغي أن يكون صالحين..

 

فمثلًا عدد القوى العاملة أو المنتجة في الصين لا تتجاوز 150 مليون من اجمالي مليار وأكثر من 300 مليون نسمة.. أما في مصر فحجم القوى العاملة لا يتجاوز 30 مليون من اجمالي 106 مليون نسمة تقريبًا.. وربما يكون فرد واحد منتج يكفى لإعالة أسرة مكونة من 3 أفراد أو أكثر.. وهو بهذا الانفاق يضمن بقاء الأسرة بيولوجيًا لكنه لا يضمن تنميتها على النحو المطلوب إذا لم يكن الثلث على الأقل من أفراد الأسرة  منتجين!

Advertisements


وبالعودة إلى الحديث عن فلسفة هذه النظرية علينا فقط أن نبحث في آلية نشأة المجتمع الإنساني الذى عادة ما يبدأ بالزواج بين طرفين (ذكر وأنثى) بشرط أن يكون هذا  الزواج قادر على الانجاب.. ويعتبر الطفل هنا تعبيرًا صادقًا عن نجاح عملية الزواج وتحقيق الهدف منها، وهو بقاء النوع وتعمير الأرض. 


ومن هنا تتشكل الأسر، ووفقًا لعدد هذه  الأسر يتكون المجتمع الانساني وهذا ما أسفرت عنه كافة أدبيات العلوم الاجتماعية.. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا كم عدد  الحيوانات المنوية التى تحتاجها عملية الاخصاب كي تنتج هذا الطفل.. والاجابة هنا كشفها علماء الطب الذين أوضحوا أن عالم الحيوانات المنوية مكون من حيوانات منوية نشطة وأخرى مشوهة وثالثة ميتة.. 

 

ورغم أن علاقة التزاوج يتضمنها قذف ملايين الحيوانات المنوية وأن عملية الإخصاب نفسها  تحتاج إلى حيوان منوى واحد  فقط نشط كي تتم؛ إلا أن الدراسات العلمية أكدت بأنه إذا كان لدينا فقط  30 % من الحيوانات نشط و30 % مشوهة و30 % ميت.  فإن احتمالية اتمام عملية الاخصاب قد تكون ضعيف للغاية، وربما يوصف الذكر بأنه عقيم. رغم أنه أنتج قرابة 30 مليون حيوان منوي نشط!


والحل هنا  يكمن في العمل على زيادة أعداد الحيوانات المنوية النشطة لتكون (30% + 1).. وبديهيًا فإن زيادة الأعداد النشطة عادة ما يكون على حساب تخفيض النسبة المشوهة، دون النظر بالطبع إلى النسبة الميتة.. وتأسيسًا على ما سبق فإن المجتمع الانساني أو الحيواني أو غيره يقوم وينشأ وينمو انطلاقًا من فكرة (الثلث + 1).

 تقسيم المجتمع الانساني


ومن ثم فإن طرحنا لفكرة تقسيم المجتمع الانساني إلى ثلاث فصائل كما ذكرتها في مقالتي السابقة تتسق تمامًا مع هذه الفكرة.. حيث أن اصلاح المجتمع وتطويره وتنميته لابد وأن ينطلق من دعم الأكفاء من أفراد الشعب وتحويلهم من حسب ما أسميته فى المقال السابق إنسان النصف أو الراكب المجاني إلى مواطنين صالحين. قادرين على اتخاذ القرارات الرشيدة التي تصيب عين الحقيقة في كل أمو حياتهم وكل ما يتعلق بتنمية المجتمع واصلاحه والحفاظ عليه..

 

فهذه الفئة -الثلث المشوه أو إنسان النصف أو الراكب المجاني- هي التي تملك القدرة الكاملة على التحول إلى الايجابية والسلبية متى امتلكت الرغبة والحافز والإرادة الكاملة للتغيير..

 
ومن هنا تأتي أهمية التعليم وبرامج تنمية الواعي والتحفيز الأدبي والمادي والقدرة على اكتشفا وتفجير واستثمار الطاقات الكامنة لدى شخصية الراكب المجاني اللامبالي أو المتفرج أو الذى نطلق عليه فى مصر  مجازًا حزب الكنبة! بغض النظر تمامًا عن الفصيل الثالث المناهض للتنمية والتغيير والاصلاح. 

 

والذى تكمن مصلحته دائمًا في الإبقاء على الوضع الراهن، والذى يتجسد حرفيًا في شخصية قاسم السماوي في حكاية على بابا والأربعين حرامي.. والذى يبحث دائمًا عن نقاط الضعف فى المجتمع وينتظر الأزمات والكوارث الى تضعف الدولة ليحول تلك الأزمات إلى فرص للتربح الشخصي وتعميق جذور الفساد فيما تبقى من جسد الدولة وبالطبع يعتبر الثلث الذى يمثله الراكب المجاني لقمة سائغة يسهل على الفساد ابتلاعها إذا لم تجد حماية حقيقة من الثلث الصالح فى المجتمع.. فحين تكثر في مجتمع ما أعداد الخرابات والبِرك ومقالب الزبالة، تنتشر الفئران والجرذان والعقارب والثعابين والكلاب الضالة!

 

ومن المهم هنا أن تتضمن خطط التنمية عمليات واسعة للإصلاح الاجتماعي التى تضمن بطبيعة الحال إصلاح الثلث المشوه في المجتمع وتحويله إلى طاقة انتاجية عالية.. مع الابتعاد الكامل عن استخدام العنف والتهميش واشعار الأشخاص المراد تحويلهم بالقهر.. فحسب كلام بن خالدون": ‏أن الشعوب إذا شعرت بالقهر ساءت أخلاقها، وكلما طال تهميش إنسانها يصبح كالبهيمة، لا يهمه سوى الغريزة ولقمة العيش!.


وهذا لا يعنى طبعًا أن نشارك هذه الفئة غير الواعية أوهامها حتى نضمن استمالتها للثلث الصالح من أبناء الشعب كما يقول نيتشة.. ولا نتعمد عدم الشفافية وإخفاء الحقائق ونُكرِس فكرة أن الذين يقولون الحقيقة يرحلون مبكرًا.. بل ونلتزم بالشفافية والوضوح في كافة القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، ولا نتخذ الحذر إلا فيما يهُم  قضايا الأمن القومي  للمجتمعات والدول.. فالأمن القومي للبلاد هو الخط الاحمر الذى لا يجب أن يغازله أي فصيل أو يقترب من حدود فهو خط الأمان الأول لبقاء المجتمع على القيد الدولي.. 

 


فالفئات غير الواعية عادة ما  تحب وتكافئ من يستطيع تخديرها بالأوهام.. فهي دائمًا تسم نفسها بأنها غارقة في الأزمات والكوارث، والتي في تصوري هم من صنعوها أو على القل شاركوا في صناعتها ولا  يملكون إرادة الحقيقية لمواجهتها أو الخروج منها.. فالغرق مثلًا هنا لا يعنى السقوط في الماء..  فلا أحد يصف السمكة بأنها غارقة، لكن تغرق  السمكة إذا تُرِكت في الهواء.. فالغرق يا صديقي يحدث حين تسقط في  بيئة لا تشبهك أو في مكان لا يليق بك أو تليق به! ونكمل في مقالنا القادم.. 

الجريدة الرسمية