ضحايا العلوم الطبية
التعليم وسوق العمل متخاصمان منذ سنوات طويلة، وواضح أن عملية الصلح بينهما أصبحت المستحيل الرابع، لذلك نرى خريجين يعملون في غير تخصصاتهم، ونرى آخرين ينضمون فور تخرجهم إلى طابور البطالة بعد أن فشلوا في العثور على فرصة عمل تتناسب مع تخصصهم أو لا تتناسب، هذه مشكلة أزلية، تناقشها الحكومات المتعاقبة، والبرلمانات، ويخصص لها الإعلام مساحات على خريطته..
لذلك أصبح مشهد خريج الجامعة الذي يعمل في مطعم أو في ورشة، أو في توصيل الطلبات إلى المنازل مشهدًا معتادًا، وقد يكون من بين هؤلاء من حصل على تقدير يؤهله للعمل بالجامعة بعد التخرج، لكن غيره حصل على فرصته. كل هذا وارد ومستمر بإستمرار حالة الخصام بين التعليم وسوق العمل، وبإستمرار ضخ مئات الآلاف من خريجي الكليات النظرية الذين لا يحتاجهم سوق العمل.
لكن أن ينضم خريجو الكليات العملية إلى طابور البطالة فهذا جديد ولا نستطيع إستيعابه. وهنا أتوقف أمام خريجي كليات العلوم الطبية الذين درسوا خمس سنوات في مجالات التحاليل والأشعة وغيرها ثم وجدوا أنفسهم بعد التخرج على الرصيف.
لماذا أنشئت كليات العلوم الطبية؟ ولماذا تغير إسمها منذ عامين؟ ولماذا تغير مسمى الذين تخرجوا فيها؟
الذي يتوقف أمام أزمة خريجي هذه الكليات يدرك مدى العشوائية التي وصلنا إليها، ويتيقن أن وزارة التعليم العالي كانت تعمل بمعزل عن وزارة الصحة، فمن إتخذ قرارًا بإنشاء الكليات هو وزير التعليم العالي، ومن إتخذ قرارًا بتحويل خريجيها إلى عاطلين هو وزير الصحة، وهو أيضًا من إتخذ قرارًا بتحويل الخريج من أخصائي إلى فني.
طلاب العلوم الطبية من المتفوقين في الثانوية العامة، ومنهم من لم يجد مكانًا في الجامعات الحكومية فالتحق بالجامعات الخاصة ودفع لها مئات الآلاف ظنًا منه أن العمل ينتظره في مستشفيات الحكومة إسوة بمن سبقوه، لكنه وجد نفسه في الشارع.
أزمة خريجي كليات العلوم الطبية طرحها مؤخرًا النائب أحمد حجازي في مجلس النواب من خلال طلب إحاطة، لكننا لا نعرف مصيره حتى الآن، ومن قبله طرحها الإعلام على مدار العامين الماضيين، ووقف طلاب وخريجي العلوم الطبية عشرات المرات أمام مكتبي وزيري الصحة والتعليم ينادون بصوت لا يخلو من مرارة عسى أن يسمعهم أحد، وها نحن ننادي عسى أن يسمعنا أحد.
besheerhassan7@gmail.com