هل سيفقد الدولار هيمنته العالمية؟!
كل عام وجميع المصريين والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بكل خير وسعادة بمناسبة عيد الفطر المبارك أعاده الله علينا جميعا باليمن ولخير والبركات، في الثامن والعشرين من مارس 2023م، أعلنت بورصة شنغهاي للبترول والغاز الطبيعي، أن شركتي الصين الوطنية للنفط البحري (كنوك) وتوتال إنرجيز، أتمتا من خلالها أول تعاملات الصين في الغاز الطبيعي المسال، التي يجري تسويتها باليوان، وشملت نحو 65 ألف طن من الغاز الطبيعي المسال المستورد من الإمارات.
ولم تعلن الإمارات على الفور، ما إذا كانت ستستمر في تسعير جزء من صادراتها من الغاز المسال باليوان في بورصة شنغهاي، أم أن الأمر مجرد جس نبض ردة الفعل الأمريكية تجاه هذه الخطوة، التي لم تؤكدها بعد ولم تنفها أيضًا. وغنى عن البيان أن تسعير النفط والغاز باليوان في بورصة شنغهاي، تشكل استجابة لدعوة سبق أن وجهها الرئيس الصيني شي جين بينج، إلى دول الخليج عندما زار السعودية في شهر ديسمبر 2022م، "للاستفادة الكاملة من بورصة شنغهاي للبترول والغاز كمنصة لتسوية تجارة النفط والغاز باليوان".
وفي يوم الأربعاء الموافق الثامن عشر من شهر يناير 2023م، أعلن البنك المركزي الروسي توسيع قائمة العملات التى يحددها ضمن أسعار الصرف الرسمية مقابل الروبل؛ لتشمل الجنيه المصري. ففى بيان منشور على موقعه الرسمى، وأوردته وكالة سبوتينيك الروسية للأنباء..
قائمة العملات الأجنبية
قال البنك المركزى الروسى إن قائمة العملات الأجنبية التي يحدد سعرها رسميًّا مقابل الروبل تضمنت الآن 9 عملات جديدة، من بينها الجنيه المصري والدرهم الإماراتي والبات التايلاندي والروبية الإندونيسية. وفى هذا التاريخ، سجل سعر الروبل الروسي مقابل الجنيه المصري نحو 43 قرشًا.
والعملات الأخرى التى سيتم تضمينها هي: الدونج الفيتنامى والدينار الصربى والدولار النيوزيلندى واللارى الجورجى والريال القطري. ووفقًا لقائمة البنك المركزى الروسى، رفعت إضافة العملات الجديدة العدد الإجمالى للعملات التى يحددها البنك المركزى الروسى بأسعار يومية رسمية إلى 43.
وفى شهر نوفمبر 2022م، ووفق موقع آسيان بريفينج، تم التوصل إلى اتفاق بشأن التجارة بالعملات الوطنية بين إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة والفلبين وتايلاند.
وفي الثامن والعشرين من شهر مارس 2023م، وفى دولة إندونيسيا، اجتمع وزراء مالية ومحافظو البنوك المركزية فى آسيان، لمناقشة تقليل الاعتماد على الدولار، واليورو، والين اليابانى والجنيه الإسترلينى فى المعاملات المالية، والانتقال إلى التسويات والمبادلات التجارية بالعملات المحلية.
لم تتوقف التطورات المتسارعة عند هذا الحد، وإنما امتدت إلى منطقتنا العربية، وتحديدًا جمهورية مصر العربية. ففى الثلاثين من شهر مارس 2023م، نشرت الجريدة الرسمية قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 628 لسنة 2023 بشأن الموافقة على اتفاقية تأسيس بنك التنمية الجديد التابع لتجمع البريكس ووثيقة انضمام مصر إلى البنك.
ويعد تجمع البريكس من أهم التجمعات الاقتصادية على مستوى العالم، والذى يضم فى عضويته كلًا من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، ويمثل التجمع نحو 30% من حجم الاقتصاد العالمى، و26% من مساحة العالم و43% من سكان العالم، وتنتج أكثر من ثلث إنتاج الحبوب فى العالم.
وأنشأت الدول الأعضاء بنك التنمية الجديد برأسمال 100 مليار دولار لتمويل مشاريع البنية الأساسية والتنمية المستدامة فى الدول الأعضاء، فضلًا عن اقتصادات السوق الناشئة والدول النامية الأخرى. ووافق بنك التنمية الجديد على قبول مصر كعضو جديد، وتم الإعلان عن ذلك أثناء اجتماعات قمة قادة دول البريكس فى ديسمبر 2021م، وأُقرت مصر العضو الرابع الجديد، حيث تم قبول عضويتها ضمن التوسعة الأولـــى لنطاق انتشار البنك عالميًا، وسبقتها، منذ سبتمبر 2021، كل من بنجلاديش، والإمارات العربية المتحدة وأوروجواى.
القوة العظمى الثالثة
لم تقتصر التطورات ذات الصلة بانحسار هيمنة الدولار على الدول المناوئة للمعسكر الغربى أو الدول المحايدة، وإنما امتد إلى المعسكر الأوروبى واللاتينى ذاته. ففى التاسع من شهر أبريل 2023م، وعقب انتهاء زيارته إلى بكين، أعلن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون أنه يجب على أوروبا أن تقلل من اعتمادها على الدولار الأمريكى خارج «الحدود الإقليمية»، وأن تتجنب الانجرار إلى مواجهة بين الصين وأمريكا بشأن تايوان.
وأكد ماكرون فى حديثه مع صحيفة «بوليتيكو» واثنين من الصحفيين الفرنسيين، على نظريته المحببة حول «الحكم الذاتى الاستراتيجي» لأوروبا، التي من المفترض أن تقودها فرنسا، لتصبح أوروبا هى القوة العظمى الثالثة، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية والصين.
وأضاف ماكرون: «الخطر الكبير الذى تواجهه أوروبا هو أنها عالقة فى أزمات ليست من أزماتنا، مما يمنعها من بناء استقلاليتها الاستراتيجية». وبعد أقل من أسبوع واحد على تصريحات الرئيس الفرنسى، وخلال أول زيارة خارجية منذ توليه منصبه مرة أخرى، والتى قام بها إلى جمهورية الصين الشعبية، وفى يوم الخميس الموافق الثالث عشر من أبريل 2023م، حث الرئيس البرازيلى لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، الدول النامية على التخلى عن الدولار فى التجارة الدولية لصالح عملاتها.
كذلك، دعا لولا دا سيلفا مجموعة دول البريكس (البرازيل والصين وروسيا والهند وجنوب أفريقيا) إلى إنهاء هيمنة الدولار وتطوير عملتها البديلة لاستخدامها فى التجارة. ومتحدثًا فى بنك التنمية الجديد (الذى أنشأته دول البريكس) فى شنغهاى، خاطب رئيس البرازيل الجمهور بأسئلة: «من قرر أن عملاتنا ضعيفة وليس لها قيمة فى البلدان الأخرى؟ من قرر أن يصبح الدولار هو العملة الرئيسية بعد إلغاء معيار الذهب؟».
وهكذا، ومن خلال استعراض التطورات سالفة الذكر، يمكن القول إن تربع الدولار على عرش النظام المالى العالمى والتجارة الدولية لن يعود كما كان قبل الحرب الأوكرانية. وفى اللحظة التى يفقد فيها العالم الثقة بقوة الولايات المتحدة الاقتصادية والعسكرية ونفوذها السياسى، ويتجه إلى عملات بديلة للتبادل التجارى والاحتياط، سيفقد الدولار بريقه، ويلقى نفس مصير الجنيه الإسترلينى وعملات أخرى هيمنت على التداولات العالمية فى فترات زمنية معينة قبل أن يأفل نجمها.