حكاوي زمان، فكري أباظة يكتب عن رمضان وملابس وكعك العيد والدراويش
قرب شهر رمضان على الانتهاء، أيام قليلة ونودع الشهر الكريم، وتعبيرا عن ذلك كان الكاتب الصحفي فكري أباظة قد كتب مقالا في مجلة المصور عام 1948 قال فيه: انقضى ثلثا أيام رمضان ولياليه وما زالت القاهرة تنام بالنهار كله لتصحو الليل كله، وقد ترك المصريون الطعام وخرجوا إلى الزحام لشراء الملابس والتزامات كعك العيد.
فلو مررت في حواري البلد أثناء النهار لهالكَ الأمر؛ كل شيء نائم حتى القطط والكلاب، ولا يبدو على البلد شيء من النشاط إلا بعد الظهر وقرابة المغرب. المساجد عامرة بالمصلين، ولو مررت بمسجد الحسين لرأيت العجب العجاب، مئات الناس جالسين فيه بملابسهم المنزلية وكأنهم في بيوتهم، هؤلاء الناس يقيمون هذا الشهر كله فى المسجد يصلون ويتلون الأوراد ويشتركون في حلقات الذكر.
أحضر كل منهم لوازمه في صندوق صغير وضعه إلى جانبه، وتحول المسجد إلى خان كبير، وأصبح صحن المسجد عند الميضة أشبه بالسوق. باعة من كل صنف يبيعون كل شيء من الجرجير إلى الكراسى المطعمة بالصدف، ومن شيلان الكشمير والسبح والطواقى إلى السيوف، ترك المصريون كل شيء وبدأوا في البحث عن ملابس العيد وانشغلت النساء في البيوت بعمل كعك العيد.
أقبلت ساعة الإفطار وهاهم المؤذنون يؤذنون للمغرب على أبواب المساجد وفوق المآذن، الأولاد يتصايحون والسكون يخيم على البلد من جديد، فقد تجمع الناس حول موائد الإفطار حتى المعدمون والشحاذون والدراويش والمجاذيب.
أولئك الذين يعيشون مع الله دون عمل.. هؤلاء قدمت لهم الموائد الكبيرة فى ردهات بيوت الأغنياء وأمامها فيما يسمى بموائد الرحمن.
لكل واحد من هؤلاء الشحاذين والدراويش مكان معروف على مائدة الكبراء يتناول فيه إفطاره وهو يجلس إلى مكانه من الطبلية مع قدوم المغرب يقوم عليه الخدم ويشرب الماء المحلى بماء الورد والسكر، ويأكل الكنافة والقطايف والخشاف ويشرب القهوة.
فإذا انتهت التراويح عاد البشر إلى النفوس وغادرتها هموم الصوم ومضى كل إلى حيث يقضى سهرة ممتعة تمتد حتى ساعة السحور.. وهذه السهرات أصناف وألوان، فلنمضِ مع الناس من ناحية إلى ناحية حتى ننعم بشيء من متاع رمضان الكريم.
في المقهى جلوس على دكك خشبية وقد جلس بينهم الشاعر ممسكا بالربابة ينشد حكايات أبو زيد الهلالى وعنتر وعبلة، وقد أمسك كل منهم مبسم نرجيلة ويشد أنفاسا منها فى الهواء، وسط السهرة يظهر من بعيد صوت المسحراتى بفانوسه المضيء يطوف شوارع الحى يقف عند كل باب وينادى صاحبه باسمه ويدعو له بطول العمر.