أقباط مصر.. قصة الانحياز التاريخى لـ «الحق الفلسطيني».. البابا شنودة الثالث يصدر قرارًا بمنع الأقباط من زيارة القدس عام 1980
الحياد فى القضايا الإنسانية جريمة، فالانحياز فرض عين على كل من يقف فى صف الإنسانية متابعا ما تشهده الأراضى الفلسطينية من صراعات دامية وتدنيس للمقدسات، والجور على حق أصيل لشعب لم يتطلع يوما إلا لاستعادة حيطان البيت، ولأن الكنيسة بطوائفها المختلفة تعى جيدا معنى الحق، فدائما ما تنحاز دون مواربة للقضية.
وفى مواقف مختلفة يسارع قادة الكنيسة إلى تقديم الدعم على كافة مستوياته للشعب الفلسطيني، ففى كل أزمة تطول القدس والمسجد الأقصى أو كل محاولة للتحرش بالمقدسات من قبل قوة مغتصبة، تجد الكنيسة مبادرة لإعلان رفضها ليس فقط لأفعال المعتدى ولكن أيضا للداعمين لهم، ولعل أبلغ دليل هو اعتذار البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، عن مقابلة نائب الرئيس الأمريكى مايك بينس، خلال زيارته لمصر فى العشرين من شهر ديسمبر 2017 وذلك نظرا للقرار الذى اتخذته الإدارة الأمريكية بخصوص القدس دون اعتبار لمشاعر الملايين من الشعوب العربية.
ولم يكن موقف بابا الكنيسة استثناء بل هو منهج واضح، خاصة أنه أعلن فى أكثر من مناسبة أنه من المؤسف أن تكون مدينة القدس المقدسة التى تحمل اسم مدينة السلام، مسرحا لصراعات دامية عبر الأزمنة، مشيرا إلى أن تحقيق السلام للقدس خيار لا بديل عنه.
وأضاف البابا تواضروس: «السلام فى القدس لا يتحقق إلا باحترام الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى وكل شعوب المنطقة، والسلام الحقيقى لن يصبح واقعا ما لم يتوقف العداء والاعتداء، ويتوقف العنف والصراع والتهديد بكل صوره وأشكاله».
وتابع البابا: «على مستوى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فإن قضية القدس وقضية فلسطين كانتا ولا تزالان حاضرتين فى ضميرها منذ البداية ومنها الجهود التى بذلها ويبذلها بطاركة الكنيسة ومطارنتها وأساقفتها وكذلك أقباط مصر وأقباط القدس كل فى تخصصه فى المحافل الدولية ومع الهيئات العالمية والمعنية بالأمر».
وأردف البابا: “وموقف الكنيسة القبطية الثابت والراسخ فى هذه القضية هو الدعوة لارساء سلام شامل وعادل ودائم، بما يضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ولكل شعوب المنطقة، بما يحقق التعايش السلمى المشترك”.
وأشار البابا إلى تاريخ العلاقات بين البلدين قائلا إن العلاقة بين الأقباط المصريين والقدس تمتد إلى القرن الرابع الميلادي، عند حضورهم تدشين كنيسة القيامة على يد الملكة هيلانة، وعاش الأقباط فى حارة النصارى بالقدس، ويمتلكون مكانا فى كنيسة القيامة كغيرهم من الطوائف المسيحية القديمة الموجودة فى مدينة القدس.
وأشار البابا تواضروس إلى أن مدينة القدس لها مكانة دينية كبيرة فى قلب كل مسيحي، فهى المدينة المقدسة التى عاش فيها السيد المسيح وشهدت أهم الأحداث فى حياته، وبها أماكن دينية مقدسة تشمل الأماكن التى ارتبطت بخدمة السيد المسيح ومعجزاته.
موقف البابا تواضروس الثانى هو نفس نهج باباوات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، حيث كان البابا كيرلس السادس أول من رفض زيارة القدس، و أعلن ذلك فى أعقاب هزيمة 1967 وبعد وقوع القدس فى يد الصهاينة. ومعها بدأت عمليات تهويد واسعة للقدس.
بينما أصدر البابا شنودة الثالث قرارا مجمعيا يمنع الأقباط من زيارة القدس عام 1980 بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، ونص قرار المجمع المقدس (فى جلسة الأربعاء 26/ 3/ 1980) «على عدم التصريح لرعايا الكنيسة الأرثوذكسية بالسفر إلى القدس هذا العام، فى موسم الزيارة أثناء “البصخة المقدسة” وعيد القيامة لحين استعادة الكنيسة رسميا لدير السلطان.
ويسرى هذا القرار تلقائيا ما دام الدير لم يتم استعادته، أو لم يصدر قرار من المجمع بخلاف ذلك».
واستمر العمل بقرار المجمع المقدس طوال عهد البابا شنودة الثالث ورسخ ذلك بمقولته الشهيرة «لن ندخل القدس إلا مع إخوتنا المسلمين»، وفى عام 1991 رسم البابا شنودة الأنبا إبراهام مطرانا على القدس وكرسى أورشليم والخليج. لكنه رفض زيارة القدس لتجليسه على كرسيها. بينما أرسل وفدا من كبار المطارنة والأساقفة رأسه الأنبا بيشوى مطران دمياط وكفرالشيخ والبرارى آنذاك. لتجليس المطران الراحل نيابة عنه.
واستمر الموقف الداعم للقضية الفلسطينية مع وصول البابا تواضروس لسدة الكرسى المرقسي، وهو ما ظهر خلال زيارة الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبو مازن للكاتدرائية المرقسية بالعباسية، فى التاسع من نوفمبر 2015، وخلالها دعا البابا تواضروس لزيارة القدس كسرا لحصار الشعب الفلسطيني، إذ اعتبر أن الزيارة للسجين وليست للسجان، فما كان من البابا إلا أن كرر رد سلفه البابا شنودة. وقال «سندخل القدس مع أخوتنا المسلمين»، واستمر البابا فى موقفه الرافض لزيارة القدس.
وقال البابا تواضروس الثانى، إن القدس تمثل قيمة خاصة فى ايماننا، وهى رمز لتلاقى الشعوب والسلام مع الله وعلى أرضها حدث الارتقاء بين السماء والأرض، فالقدس لها مكانة كبيرة فى قلوب المسيحيين، وبنيت الكنائس وصارت لها ذكرى مقدسة فى كل القلوب.
وأضاف أن السلام الحقيقى لن يتحقق إلا بتوقف العنف، وأننى على يقين أن شعوب المنطقة تتطلع إلى مستقبل أفضل، وقضية القدس وفلسطين كانت ومازالت حاضرة فى ضمير الكنيسة المصرية، وساندتها منذ عهد البابا كيرلس وكذلك البابا شنودة ،لافتا الى ان القرار الامريكى الاخير يساعد على تهويد القدس، ونؤكد على حقوق المضطهدين ونقف دوما بجانب كفاح من يطالبون بحريتهم، وندعو الى دراسة وضعية القدس من الجانب الانسانى والمأسوى.
موقف الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الداعم للقضية الفلسطينية ومن القلب منها القدس هو نفسه موقف باقى الطوائف، فالدكتور القس أندرية زكى رئيس الطائفة الإنجيلية فى مصر أعلن مرارا وتكرارا توجهه المساند لكل ما هو إنساني: «فلسطين هى أغلى مكان دينى فى العالم، ولا أحد يستطيع أن ينكر ذلك، ونؤمن بقوة العلاقات المصرية الفلسطينية، كما نعتز ونؤيد دور الدولة المصرية فى دعم القضية الفلسطينية ونأمل دائمًا فى مستقبل أفضل للشعبِ الفلسطينى العظيم».
نقلا عن العدد الورقي