محمد الماغوط، رائد أدب الحزن وقصائد النثر في البلدان العربية
في مثل هذا اليوم من عام 2006 توفى محمد الماغوط، الشاعر والكاتب والأديب السوري الكبير، والذي ترك أثرا كبير في أدب الحزن.
عن ميلاده ونشأته
ولد محمد الماغوط عام 1934 في مدينة سلمية التابعة لمحافظة حماة السورية، ونشأ في عائلة شديدة الفقر وكان أبوه فلاحًا بسيطًا عمل أجيرًا في أراضي الآخرين طوال حياته.
درس بادئ الأمر في الكتّاب ثم انتسب إلى المدرسة الزراعية في سلمية حيث أتم فيها دراسته الإعدادية، انتقل بعدها إلى دمشق ليدرس في الثانوية الزراعية في ثانوية خرابو بالغوطة، لكنه لم يكمل دراسته في الثانوية وعاد إلى سلمية.
نشاطه السياسي
دخل محمد الماغوط بعد عودته الحزب السوري القومي الاجتماعي دون أن يقرأ مبادئه، وكان في تلك الفترة حزبان كبيران هما الحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث، وانضم إلى صفوفه، لكن لم يدم انتماؤه الحزبي طويلًا وقد سحب عضويته في الستينات بعد أن سجن ولوحق بسبب انتمائه.
مواهبه الأدبية والشعرية
في هذه الفترة عمل محمد الماغوط فلاحًا وبدأت بوادر موهبته الشعرية بالتفتح فنشر قصيدة بعنوان «غادة يافا» في مجلة الآداب البيروتية، بعدها قام الماغوط بخدمته العسكرية في الجيش حيث كانت أوائل قصائده النثرية قصيدة «لاجئة بين الرمال» التي نُشِرَت في مجلة الجندي، وكان ينشر فيها أدونيس وخالدة سعيد وسليمان عواد، ونشرت بتاريخ 1951، وبعد إنهاء خدمته العسكرية استقر الماغوط في السلمية.
كان اغتيال عدنان المالكي في 22 أبريل 1955 نقطة تحول في حياة الماغوط، حيث اتُهِمَ الحزب السوري القومي الاجتماعي باغتياله في ذلك الوقت، ولوحق أعضاء الحزب، وتم اعتقال الكثيرين منهم، وكان الماغوط ضمنهم، وحُبس في سجن المزة، وخلف القضبان بدأت حياة الماغوط الأدبية الحقيقية.
تعرف محمد الماغوط أثناء سجنه على الشاعر علي أحمد سعيد إسبر الملقب بأدونيس الذي كان في الزنزانة المجاورة، وخلال فترة الوحدة بين سورية ومصر كان محمد الماغوط مطلوبًا في دمشق، فقرر الهرب إلى بيروت في أواخر الخمسينات، ودخل لبنان بطريقة غير شرعية سيرًا على الأقدام، وهناك انضمّ الماغوط إلى جماعة مجلة شعر حيث تعرف على الشاعر يوسف الخال الذي احتضنه في مجلة شعر بعد أن قدمه أدونيس للمجموعة.
في بيروت نشأت بين محمد الماغوط والشاعر بدر شاكر السياب صداقة حميمة وفي بيروت أيضًا تعرّف الماغوط في بيت أدونيس على الشاعرة سنية صالح (التي أصبحت زوجته لاحقا)، وهي شقيقة خالدة سعيد زوجة أدونيس، وكان التعارف سببه تنافس على جائزة جريدة النهار لأحسن قصيدة نثر.
عاد محمد الماغوط إلى دمشق بعد أن غدا اسمًا كبيرًا، حيث صدرت مجموعته الأولى حزن في ضوء القمر (عن دار مجلة شعر، 1959)، التي ألحقها عن الدار نفسها بعد عام واحد بمجموعته الثانية «غرفة بملايين الجدران» (1960)، وتوطدت العلاقة بين الماغوط وسنية صالح بعد فدومها إلى دمشق لإكمال دراستها الجامعية.
أصبح محمد الماغوط أحد أهم رواد قصيدة النثر في الوطن العربي، كتب الخاطرة، والقصيدة النثرية، وكتب الرواية والمسرحية وسيناريو المسلسل التلفزيوني والفيلم السينمائي، وامتاز أسلوبه بالبساطة والبراغماتية وبميله إلى الحزن.
وفي العام 1961 أدخل الماغوط إلى السجن للمرة الثانية وأمضى ثلاثة أشهر، ووقفت سنية صالح وصديقه الحميم زكريا تامر إلى جانبه خلال فترة السجن، وتزوج الماغوط من سنية صالح عقب خروجه من السجن، وأنجب منها ابنتيه شام وسلافة.
في السبعينات عمل الماغوط في دمشق رئيسًا لتحرير مجلة «الشرطة» حيث نشر كثيرًا من المقالات الناقدة في صفحة خاصة من المجلة تحت عنوان «الورقة الأخيرة»، وفي تلك الفترة بحث الماغوط عن وسائل أخرة للتعبير من أشكال الكتابة تكون أوضح أو أكثر حدة، فكانت مسرحياته المتوالية «ضيعة تشرين» و«غربة»، وفيها أراد الماغوط مخاطبة العامة ببساطة دون تعقيد.
خلال الثمانينيات سافر الماغوط إلى دولة الإمارات وإلى إمارة الشارقة بالتحديد وعمل في جريدة الخليج وأسس مع يوسف عيدابي القسم الثقافي في الجريدة وعمل معه في القسم لاحقا الكاتب السوري نواف يونس.
كانت فترة الثمانينات صعبة وقاسية، بدأت بوفاة شقيقته ليلى إثر نفاس بعد الولادة عام 1984، ثم وفاة والده عام 1985 نتيجة توقف القلب، وكانت أصعب ضربة تلقاها هي وفاة زوجته الشاعرة سنية صالح عام 1985 بعد صراع طويل مع السرطان وهو نفس المرض الذي أودى بحياة والدتها وبنفس العمر وكانت نفقة العلاج على حساب القصر الجمهوري في مشفى بضواحي باريس ثم كانت وفاة أمه ناهدة عام 1987 بنزيف حاد في المخ.
وفي 2006 رحل محمد الماغوط عن عمر يناهز 73 عامًا بعد تعرضه لجلطة دماغية في منزله بمدينة دمشق.