المسيئون للإمام الأكبر
للأسف إن تجاوزات البعض على مواقع التواصل الاجتماعي، تعدت حدود حرية الرأي، وباتت تُشكل تشويهًا للرموز، وتضليلًا وخطرًا يُهدد قيم وأخلاقيات وثوابت المجتمع، وتحتاج إلى وقفة حقيقية وجادة من الدولة، لا لفرض رقابة وقيود تحد من حرية التعبير، ولكن لوضع أُطر وخطوط تمنع الشطط والتضليل وتشويه الغير.
فخلال الأسبوع الماضي، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي تصريح منسوب لفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، مصحوبًا بتصميم يحمل لوجو قناة الجزيرة القطرية يقول فيه: "إن خلع المرأة في المحاكم لا يُعد طلاقًا شرعيًا، وإن حدث وتزوجت بعد الحكم تُعد زانية".
المُؤسف أن الخبر انتشر كالنار في الهشيم خلال دقائق، بعد أن تناقله عدد كبير من المواقع الإلكترونية الصحفية وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي عن جهل ودون تحقق لهثًا وراء التريند، رغم علم كل من نشر وروج مدى المردود الكارثي لمضمون الخبر، وما يمكن أن يترتب عليه من هدم وتدمير لآلاف الأسر المصرية، وما يحمله من تشويه للفكر الوسطى المعتدل لشيخ الأزهر.
وحتى نعي خطورة ما يقوم به البعض من تشويه للرموز، وضرب لثوابت وقيم المجتمع عن عمد، وكيف أن الآلاف ينساقون بجهل بإعادة النشر والمشاركة للأخبار المضللة والكارثية، فقد اتضح من مجرد البحث العادي، أنه لا وجود للتصريح المنسوب للإمام الأكبر لا على صفحته الرسمية، أو أي من صفحات الأزهر الشريف أو قناة الجزيرة، أي أن الخبر مفبرك وعارٍ من الصحة، وتم تلفيقه زورًا ليسهل تمريره ونشرة للإساءة للشيخ الطيب.
تصريح مفبرك
ولأن السؤال البديهي الذي يحتاج إلى إجابة في مثل هذه الواقعة، يكمن في من المستفيد من فبركة ونشر تصريح بمثل هذه الخطورة منسوب لقامة دينية رفيعة كشيخ الأزهر؟، إلا أنني سأترك الإجابة للأجهزة المعنية، لعلي أجد إجابة أو تحركًا عن قريب، ولاسيما وأن التصريح المضلل مازال يتم تداوله بهبل على مواقع التواصل الاجتماعي حتى اليوم.
الواقع يؤكد أن الدكتور أحمد الطيب لم ينكر الخلع أمام المحاكم على الإطلاق، بل أقره في مشروع قانون يتعلق بالأحوال الشخصية، وتحديدًا عندما أصدر قرارًا في أكتوبر عام 2017 بتشكيل لجنة لإعداد مشروع قانون لتعديل بعض أحكام القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية في مصر، وانتهت اللجنة التي ضمت قامات فقهية وقانونية بعد أكثر من 30 جلسة، إلى صياغة مشروع قانون تمت إحالته إلى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.
وحتى نعلم مدى سوء النيه لدى مضللو مواقع التواصل الاجتماعي، فقد تضمن مشروع القانون 192مادة، نصت المادة 69 منه على أنه "للزوجين أن يتراضيا فيما بينهما على الخلع، فإن لم يتراضيا عليه وأقامت الزوجة دعواها، وافتدت نفسها وخلعت زوجها أمام القاضي بالتنازل عن جميع حقوقها المالية والشرعية، وردت إليه الصداق الذي أعطاه لها، حكمت المحكمة بالتفريق بينهما".
كما تضمنت ذات المادة، بأنه لا تحكم المحكمة بالتفريق للخلع إلا بعد "محاولة الصلح بين الزوجين، وندبها حكمين لمواصلة مساعي الصلح" و"أن تقر الزوجة صراحة أنها تبغض الحياة مع زوجها وتخشى ألا تقيم حدود الله" كما "أنه لا يصح أن يكون مقابل الخلع إسقاط حضانة الصغار أو نفقتهم أو أي حق من حقوقهم، وأن يقع الخلع فسخا وغير قابل للطعن عليه"، وجميعها نصوص تم إقرارها بموافقة الإمام الأكبر وهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.
الواقع يقول إن الأخبار المغلوطة وضرب الثوابت والرموز لأهداف لا يعلمها إلا مروجوها بات ظاهرة على مواقع التواصل الاجتماعي، تستدعى تدخلًا حاسما من الدولة لردع كل من يحمل شرا وبغضا لهذا البلد، ومعهم كثيرا من المواقع الإلكترونية التي بات لا يعنيها سوى التريند، حتى وإن كان يتعارض وقيم وثوابت المجتمع.. وكفى.