رئيس التحرير
عصام كامل

العلماء يا بلد

لا أجد سببًا وراء إصرار الحكومة بقراراتها غير المدروسة، على الظهور أمام الشارع المصري في ثوب المنفصل بشكل كامل عن الواقع، والمفتقد لأدنى درجات الحنكة السياسية، وكأنها تتعمد توريط نفسها، بتجاهل الاسترشاد بآراء العلماء والخبراء الذين تزخر بهم القطاعات والمجالات في مصر، واستبدالهم بما هو عبثي ولا يثمن ولا يغني من جوع.

 

فمنذ أسابيع قليلة، شرعت الحكومة في طرح منصة إلكترونية بعنوان حوار، قالت إنها ستكون تفاعلية للتواصل المباشرة مع المواطنين، والاستفادة من الاقتراحات المختلفة للمشاركة في صنع القرار، وإن إنشاءها جاء تنفيذًا لقرارات المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في أكتوبر الماضي، وبعد دراسة مستفيضة لأفضل 10 تجارب دولية في مجال المشاركة المجتمعية الإلكترونية في دول مثل اليابان وكندا وأستراليا والدنمارك وسنغافورة وفنلندا.

 

غير أن ما يدعو للعجب في أمر الحكومة التي تصر على ألا تستمع إلا إلى صوتها، ولا تسترشد في صنع قراراتها على خبير واحد معلن، أن مفهوم المشاركة المجتمعية في تلك الدول المتقدمة يحترم الاقتراحات والأفكار القيمة بالفعل، ويتم تنفيذ الجيد منها، على عكس المتوقع بألا يتعدى عرض الاقتراحات المنشورة بالمنصة الحكومية الجديدة حاجز الموظف القائم عليها، دون أدنى اهتمام من مسؤول.


لجنة السياسات

وطبقا لبيان الحكومة، فإن المنصة الجديدة ستكون عبارة عن منتدى حوار يجمع الخبراء، وحدة لمقياس الرأي، ومتابعة تنفيذ توصيات المؤتمر الاقتصادي الأخير، غير أن ما لم تذكر الحكومة، أن المؤتمر الاقتصادي ذاته تحول عن عمد من مؤتمر لعرض ومناقشة المشكلة الاقتصادية الخانقة للبلاد والخروج بقرارات وتوصيات وحلول، إلى صوت واحد لاستعراض إنجازات الحكومة.

 

أي إن قرار إنشاء المنصة الجديدة لا يتعدى الشو، وستلقى ذات المصير الذي انتهت إليه كل القرارات الاستعراضية سابقة لم تقدم ولم تؤخر، وكان الأولى بالحكومة، إن كانت تريد بالفعل الاسترشاد بآراء الخبراء، الإسراع بتفعيل جلسات الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس السيسي منذ نحو عام، والتي فشلت حتى الآن في عقد جلسته الأولى، على الرغم من أنه يعد بمنزلة فرصة لجمع العلماء والخبراء والسياسيين، والاتفاق على رؤى واقتراحات تُخرج البلاد من حالة الجدل السائد بين الحكومة ومختلف الفئات والتيارات حول كثير من القضايا السياسية والاقتصادية في مصر.

 

كما كان الأولى بالحكومة، إن كانت تريد الاسترشاد بآراء العلماء والخبراء، جمع خيرتهم -وما أكثرهم في هذا البلد- تحت مظلة تتبع مجلس الوزراء بشكل مباشر، على ذات النسق الذي فعله الرئيس الأسبق، حسني مبارك، عندما جمع العشرات منهم فيما كان يعرف بلجنة السياسات التي كانت تابعة للحزب الوطني، ونجحت في ذلك التوقيت في تقديم حلول لعشرات المشكلات التي جنبت مبارك الدخول في خلافات وصدامات مع الشارع والقوى السياسية.

 

 

الواقع يقول إن الحكومة لم ولن تسترشد في صنع قراراتها بآراء المواطنين، وإن أرادت فالموضوع لا يحتاج إلى أكثر من الدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي العامرة بملايين الآراء المدونة والمنشورة علنا، غير أن الاسترشاد بآراء الخبراء والعلماء لا يحتاج إلا إلى  قرار خالص ومتجرد من الأنا، يجمعهم تحت مظلة، وليس منصة حكومية تفرض تدوين الاسم الرباعي والرقم القومي.. وكفى.

الجريدة الرسمية