الدورتان السنويتان.. خارطة طريق لمستقبل الصين والعالم
حظيت الدورتان السنويتان في الصين، واللتان عُقدتا بداية من الرابع من مارس 2023، ولمدة أسبوعين، بأهمية استثنائية، ليس بالنسبة للصين فحسب، وإنما أيضا بالنسبة لكافة دول العالم. وذلك انطلاقا من عوامل عدة مهمة، داخلية وخارجية، ألقت بظلالها على ما تمخضتا عنه من مخرجات في غاية الأهمية للسياسة الصينية ببعديها الداخلي والخارجي.
وهي النتائج التي تُعد خارطة طريق لمستقبل الصين والعالم، لما سيترتب عليها من تحقيق المزيد من الإنجازات والتنمية للصين وشعبها، وكذلك لشعوب العالم، رغم ما قد تواجهه بكين من رياح معاكسة، لن تستطيع- بفضل قيادتها الواعية- إعاقتها عن الاستمرار في مسيرة نهضتها وتنميتها السلمية، وطرح رؤاها وأفكارها للعالم.
أهمية الدورتين السنويتين
الدورتان السنويتان، أو ليانغهوي باللغة الصينية، مصطلح يُطلق على الاجتماع السنوي الذي يجمع المشرعين والمستشارين السياسيين من مختلف أرجاء الصين، لمناقشة وإقرار خارطة طريق للسياسات الوطنية للصين داخليا وخارجيا لمدة عام.
حيث يتم خلاله تحديد أهداف التنمية الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك النمو المستهدف للناتج المحلي الإجمالي للبلاد والخطط والسياسات المتعلقة بالاقتصاد والدفاع والتجارة والدبلوماسية والبيئة.. إلخ.
وقد عُقدت دورتا هذا العام في ظل أجواء معقدة على المستويين الداخلي والخارجي. وهو ما يجعلهما تحظيان بصورة دائمة باهتمام رسمي وشعبي وإعلامي كبير على كافة الأصعدة المحلية والدولية، في ظل المكانة الجوهرية التي باتت تحظى بها الصين في عالم اليوم.
فعلى المستوى الداخلي، جاءت الدورتان بعد مرور ما يزيد على أربعة أشهر من عقد المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني في أكتوبر 2022، والذي نجح في تحقيق نتائج إيجابية تصب في إطار مُضي الصين قُدما في سبيل إنجاز هدفها ببناء دولة اشتراكية حديثة على نحو شامل.
كما أقر المؤتمر مفهوما جديدا، وهو التحديث الصيني النمط، لتحقيق الرخاء الداخلي، وفي الوقت نفسه التعاون المربح لكافة دول العالم عبر العديد من القنوات والمبادرات التي اقترحها الرئيس الصيني شي جين بينغ.
كما أنهما أول دورتين تُعقدان في فترة الولاية الجديدة للحزب الشيوعي الصيني ومدتها خمس سنوات (2023- 2027). وكذلك، بعد قيام الصين في ديسمبر 2022 بتعديل إجراءات استجابتها لمكافحة كوفيد -19 بعد ثلاث سنوات من الإغلاق المتواصل. علاوة على تزامن انعقاد دورتي هذا العام أيضا مع مرور عشر سنوات على مبادرة الحزام والطريق التى أطلقها الرئيس شي في عام 2013، والتي أسهمت بشكل كبير في رفع الفقر عن مناطق كثيرة في العالم.
ومن حيث المضمون، تتجلى أهمية الدورتين في أنه يتم خلالهما الكشف عن سياسات وخطط الصين خلال عام مقبل على المستويين الداخلي والخارجي. فداخليا، يتم وضع الخطوط العريضة لسياسات الصين المتعلقة بالعديد من المجالات، ومن أبرزها الاقتصاد والتنمية والتجارة، والدفاع، والمجتمع، والبيئة.. إلخ.
وذلك بهدف العمل على استعادة النمو الاقتصادي وتحفيز خلق فرص العمل، والتي تأثرت بكوفيد- 19، ناهيك عن كيفية التعامل مع المشكلات التي يواجهها المجتمع الصيني. وخارجيا، تتضمن تلك الخطط الإفصاح عن أبرز توجهات السياسة الخارجية للصين في إطار علاقاتها مع العالم الخارجي، وكذلك توجهات سياستها الدفاعية للتعامل مع التحديات الأمنية للبيئتين الإقليمية والدولية.
أما على المستوى الخارجي، فمن المعلوم أن كافة دول العالم تنتظر بشغف القرارات والرؤى التي يتم الكشف عنها خلال الدورتين، خاصة في ظل انعقادهما في سياق ظروف عالمية معقدة ومشكلات اقتصادية وحروب، وبزوغ عالم متعدد الأقطاب، فضلا عن صراعات وأوبئة لم يشهدها العالم منذ أكثر من مائة عام.
وعلى الرغم من النجاحات العديدة التي حققتها الدبلوماسية الصينية لجهة علاقات الصين مع العالم الخارجي، فإنها واجهت خلال الفترة الأخيرة تحديات خارجية عديدة شملت العديد من المجالات، ولاسيما السياسية والاقتصادية والعسكرية، وهي التحديات التي كانت لها انعكاساتها على مناقشات الدورتين، وما تمخضتا عنه من مخرجات ونتائج.
ولعل من أبرز هذه التحديات التوتر الملحوظ في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، ودخول الأزمة الأوكرانية عامها الثاني، والتي قامت الصين بطرح ورقة توضح موقفها من التسوية السياسية لها.
ونكمل في المقال القادم