حكاوى زمان، من قهوة عبد الله إلى نقابة الصحفيين.. محمود السعدنى يروى تجربته
فى مجلة صباح الخير عام 1968 وفى مذكراته «الواد الشقى» كتب الكاتب الساخر محمود السعدنى مقالا ساخرا يحكى فيه تجربة حياته قال فيه: السفر هو هوايتى الوحيدة ومتعة حياتى التى لا أشعر بتخمة منها، بل البهجة والسعادة، ولكن أشعر دائمًا أننى فى حاجة إلى المزيد منه.
أنا من النوع الذى لا يهوى الفرجة على الآثار، ولا قضاء الوقت فى المتاحف، لكن أحب الحياة مع الناس، أعيش وسط الزحام، ولى فى كل بلد سافرت إليها أصدقاء وأحباء أحن إليهم وأشتاق إلى رؤيتهم، وأتمنى أن أذهب إلى لقائهم بين الحين والحين.
وعلى طول ما لفيت ونطيت فى الداخل والخارج، إلا أننى آسف وحزين لأنى لم أذهب إلى بعض بلاد مصر وقراها التى أتمنى لو تتاح لى الظروف لزيارتها فى وقت قريب، فأنا مثلا حتى هذه اللحظة لم أزر مدينة المنيا، ولم أشاهد سوهاج إلا من خلال نوافذ القطار على الطريق إلى أسوان مثلا.
ولم يقع بصرى بعد على شاطئ السلوم، ولم أتفرج على واحة سيوة، والواحة الوحيدة التى زرتها هى واحة الخارجة، وقد زرتها فى ظروف أتمنى على الله ألا تعود حيث كنت نزيل سجنها. إلا أن أحب البلاد إلى نفسى هى مديرية الجيزة لأنى عشت حياتى فيها وخاصة قهوة عبد الله.
المكان الذى أعشقه والتى تتوسط ميدان الجيزة. ولمنطقة القنال منزلة خاصة فى نفسى وكذلك مسقط رأسى قرية قناطر القربين محافظة المنوفية، حيث أشعر نحوها بحنين دافق فياض. ولا أكره فى حياتى إلا رؤية المقابر ولقاء رجل أكرهه، ولا أشعر باحتقار فى حياتى إلا للرجل الندل والمرأة التى تخون بلا سبب.
ولا أهتم فى حياتى إلا بالطعام الجيد والملابس الفاخرة، ولكنى لا أشعر بأى رغبة فى اقتناء النقود، ولا أسعى للحصول على شيء أتركه لأولادى إلا السمعة الطيبة والذكر الحسن. وقد تعلمت من تجربة حياتى أن الميراث لا يصنع الرجال، ولكنها التجربة والرغبة فى قهر الظروف السيئة وأنا نفسى لم أرث شيئا إلا الفقر والديون، ومع ذلك استطعت أن أخرج من مصيدة الحياة الضيقة.
شيء واحد فقط كان على أن أحققه عام 1955 وهو عضوية نقابة الصحفيين خاصة أنه تتوافر فى كل الشروط، لكن الانتظار طال أعوامًا وأعوامًا ودخلت معارك وحروب وخلعت أضراسى من شدة الألم دون جدوى.