رئيس التحرير
عصام كامل

الباحث عمرو فاروق: الصوفية تعرضت للتجريف طويلا فى مصر.. لكنها قادرة على اجتثات السلفية (حوار)

جانب من الحوار، فيتو
جانب من الحوار، فيتو

الأزهر مرتبط بالصوفية طوال تاريخه 
 

الصوفية اجتذبت تيارًا عريضًا من السلفية وتيارات الإسلام السياسى
 

التيار السلفي التقليدي يشكل بيئة خصبة للجماعات الإرهابية المسلحة من القاعدة إلى "داعش"
 

التجريف الطويل للصوفية مقابل صعود نجم تيار الإسلام الحركي له يد عليا فى الواقع الحالى

هناك رموز أزهرية استطاعت تنشيط الواقع الصوفي فى مصر خلال السنوات الماضية
 

المدرسة الصوفية الحديثة فى القاهرة تتمتع بأعلى الضوابط العلمية الشرعية
 

الصوفية الحديثة وضعت التيار السلفى فى حرج بالغ وجردته من أهم أسلحته
 

المدرسة الصوفية الحديثة لها علاقة واضحة بانتشار عدد من فرق الإنشاد
 

تبنى المدرسة الصوفية العلمية المتشرعة لمشروع تطوير مساجد ومقامات آل البيت سبب تغلغلها بالشارع المصرى مؤخرا 

 

تبدو الصوفية وكأنها قدر المجتمع المصرى، وربما لهذا برزت مؤخرا على السطح بعد عقود طويلة من الانكفاء فى الخلفية والتراجع المستمر، بسبب توهج تيارات الإسلام السياسى، التى استطاعت استقطاب شرائح كبرى من المصريين إلى صفوفها
بيد أن الهزيمة التاريخية للإسلاميين فى الساحة السياسية والاجتماعية وتورطهم فى العنف والإرهاب، وانضمام قيادات دينية بارزة فى المؤسسة الرسمية -الأزهر- إلى الواقع الصوفى، أضاف كثيرا من الزخم للتجربة الصاعدة بقوة فى المجتمع المصرى «الصوفية العلمية».


واكب ذلك تأييد وتشجيع عدد من المتخصصين والباحثين فى شئون الجماعات الدينية للصوفية العلمية لوقف المد السلفى، أحد أهم هؤلاء المؤيدين للتصوف «عمرو فاروق» الكاتب والباحث فى شئون الجماعات الدينية، الذى يؤكد فى حوار لـ"فيتو" أن السلفية تحتضر، بل تعيش حالة من الخوف والرعب بسبب صعود الصوفية التى يسميها «فاروق» الصوفية المتشرعة، ومن هنا سألناه:
 

*قلت مؤخرا إن السلفية تعيش حالة من الهلع بسبب صعود الصوفية الحديثة، ماذا تقصد بالمصطلح، ومن ‏هم رموزه؟


الصوفية الحديثة التى أقصدها هى المدرسة المنضبطة تشريعًا وفقهًا والتى أسميها الصوفية المتشرعة، وأهم رموزها الآن علماء وقامات الأزهر الشريف والأوقاف، بداية من الدكتور على جمعة مفتى الديار المصرية السابق، ومؤسس الطريقة الصديقية الشاذلية، مرورا بالشيخ أسامة الأزهرى مستشار الرئيس عبد الفتاح السيسى للشئون الدينية.


كما يمثلها أيضًا الدكتور محمد مهنا، أستاذ الشريعة والقانون فى جامعة الأزهر، ومستشار شيخ الأزهر والمشرف على الرواق الأزهرى، ومؤسس أكاديمية البيت المحمدى، وكذلك الدكتور عمرو الوردانى، أمين الفتوى فى دار الإفتاء المصرية، والدكتور مجدى عاشور مستشار مفتى مصر، والدكتور جمال أبو الهنود، مستشار وزير الأوقاف الفلسطيني.


ومع هؤلاء هناك أيضًا الدكتور محمد عوض المنقوش الذى يحظى بشهرة كبيرة بين علماء الصوفية فى مصر وليبيا، ويعد من رموز الطريقة الشاذلية التى أسسها الدكتور على جمعة، وأحد المختصين بتدريس علوم التصوف السنى ومبادئه، والداعية اليمنى الشيخ الحبيب على الجفرى، والداعية الصوفى اليمنى الحبيب عمر بن حفيظ، الذى اعتاد زيارة القاهرة والالتحام بمشايخها وخلواتها، وكذلك الشيخ جابر بغدادى.


كما اجتذبت المدرسة الصوفية الحديثة عددًا من مشاهير الدعاة الجدد، أمثال مصطفى حسنى، الذى أطلق سلسلة "خدعوك فقالوا"، والداعية عمرو مهران، والمنشد مصطفى عاطف، والداعية الشاب أحمد جمال البنا، المهتم بتفكيك المنظومة الفكرية للجماعات الأصولية ومؤلف كتاب «الأوهام الخمسة».
 

*وهل هذه الأسماء السبب فى خوف السلفية من الصوفية؟


- لا، ليس هذا السبب وحده، بل هناك أسباب أخرى لخوف السلفية الشديد من صعود الصوفية، إذ تعد «الصوفية المتشرعة» قادرة على تحجيم مشروع الجماعات المتطرفة واجتثاث جذور التيار السلفى من مصر، والوقوف فى وجه محاولات استبدال الهوية الفكرية والثقافية، خاصة أن تبنى المدرسة الصوفية العلمية المتشرعة لمشروع تطوير مساجد ومقامات آل البيت التى تمثل أهمية روحية للمصريين، جعلها تتغلغل فى الشارع المصرى، بل أزيدكم أن الصوفية اجتذبت تيارًا عريضًا من السلفية وتيارات الإسلام السياسى.
 

*وما الذى يجعل أنصار السلفية يتركونها ويلتحقون بصفوف الصوفية المتشرعة حسب نص تعريفك لها؟


لأن التيار السلفى التقليدى، وخاصة فى الحالة المصرية، يشكل بيئة خصبة للجماعات الإرهابية المسلحة من القاعدة إلى "داعش"، وحتى الآن يتبنى بمختلف أجنحته خطابًا عموده الأساسى معاداة النظم السياسية، كما يركز على انتقاد المجتمع وسلوكياته التى لا تتفق مع قناعاته الجامدة، لهذا انفض عنه المجتمع وأصبح لا يريده، خاصة بعد أن تبين له حجم خطورته.
 

*وما الذى تقدمه الصوفية عكس السلف؟


الأمر مختلف كليًّا فى الصوفية، التى تركز أساسا فى تعليمات على تصفية النفوس والتسامح، ودعم الدولة الوطنية، كما تكافح هذا الفكر السلفى الجامد، وترفض مصطلحات التكفير وجاهلية المجتمع، ومشروعات الأممية الإسلامية التى يتبناها الإخوان، ومن ثم فهى الأقرب للشارع المصرى.
 

*وماذا عن الإخوان؟


- نفس الأمر، فالصوفية الحديثة كما تزعج التيارات السلفية تؤرق منام قيادات وأعضاء جماعة الإخوان، فالمد الصوفى فى سياقه الجديد سيصنع بجماعتهم ما لم تصنعه الأزمات
ويجب الإشارة إلى أن ارتماء عدد من شبابها فى أروقة وخلوات الطرق الصوفية وارتباطهم بمشايخها وسبق وتفجرت بالجماعة أزمة كبرى عامى 2009، و2010، بعد انتماء عدد من شباب الجماعة إلى إحدى الطرق الصوفية، الأمر الذى صنع إشكالية كبرى حول شرعية بيعة المرشد، وبيعة الشيخ، أو ما يعرف بـ"ازدواجية البيعة"، لتنهى الجماعة موقفها بفصلهم نهائيًّا، رفضًا للدخول فى الجدل الفقهى والشرعى حول "البيعة التنظيمية" و"البيعة الروحية".
 

*الأزهر حتى الآن يتولى الدفاع عن الصوفية ويبدو راسخًا على المستوى العلمى أمام السلفية خلال أكثر ‏من معركة دارت مؤخرا.. لكن الطرق الصوفية شبه غائبة عن المشهد.. كيف تفسر ذلك؟ ‏


الأزهر طوال تاريخه وهو مرتبط بشكل أو بآخر بالصوفية، وخاصة الصوفية العلمية أو المتشرعة، وإليها ينتمى شيخ الأزهر الشريف الأسبق، الدكتور عبد الحليم محمود، والشيخ محمد متولى الشعراوى، والشيخ محمد ذكى الدين إبراهيم، شيخ العشيرة المحمدية وغيرهم، وبالتأكيد التجريف الطويل للصوفية مقابل صعود نجم تيار الإسلام الحركى، له يد عليا فى الواقع الحالى، لكن الأمر كما أسلفنا تغير تماما خلال السنوات الماضية بعد انضمام رموز أزهرية استطاعت تنشيط الواقع الصوفى فى مصر.
 

*هل تقف مع اندماج المتصوفة فى العمل السياسى والحزبى أم تعارض الخطوة؟


لا بالطبع، السياسة فى اتجاه، والروحانيات يجب أن تبقى بعيدا، وإلا سنستبدل تيارًا دينيا بآخر، لكن السياسة للأفراد مفتوحة للجميع، وشاهدنا مؤخرا كيف صعدت بعض الأسماء الصوفية اللامعة للأحزاب والبرلمان.
 

*ولكنك تشجع الصوفية دائمًا على البقاء فى المجال العام.. هل ترى أن الصوفية تفهم مفاد الرسالة التى تقصدها؟


نعم، وغاية ما نريده من الصوفية هى مسالك التربية الروحية، فالمصريون معروفون منذ قدم التاريخ بحب التدين، والصوفية لها تأثير سلوكى على المستويين الفكرى والروحى بما يتسق مع مقاصد الشريعة وضوابطها، إذن هى تقدم السهل الممتنع بما يؤهلها لمخاطبة وجدان جماهير متنوعة بداية من البسطاء والعوام، وحتى أعتى المثقفين والمتعلمين فى البلاد، وهذا ما نقصده.
 

*لكن الصوفية خاصة فى العقود الأخيرة كان جمهورها الأساسى العوام والبسطاء، فما القدرات التي تحتاجها لاستقطاب المثقفين وصفوة المجتمع كما كان الحال مع تيارات الإسلام السياسى؟


المدرسة الصوفية الحديثة فى القاهرة تتمتع بأعلى الضوابط العلمية الشرعية، وهذا وحده يمنحها بريقا مختلفا عند جمهور المثقفين المتعدد فكريا وثقافيا واجتماعيا، ولهذا أرى أنها وضعت التيار السلفى فى حرج بالغ، خاصة بعد أن جردته الصوفية الحديثة من أهم أسلحته.
 

*وما هى؟


الوصم الدائم لهم بالجهل والتبدع الدينى، هذا أمر تكافحه الصوفية المتشرعة، ولا يمكن للسلفية فى ظل تواجد نجوم المؤسسة الأزهرية وأعتى قاماتها الفكرية والدينية على قمة الصوفية المتشرعة وصمها بالجهل والتبدع، وهذا أكبر إنجاز للصوفية.
 

*وبالنسبة للبسطاء، هل تستطيع الصوفية (العلمية - المتشرعة) تحجيم تأثير تيارات الإسلام السياسى عليهم الممتد منذ سنوات طويلة؟


- نعم.
 

*كيف؟

بالبساطة الدعوية والضوابط الشرعية، هذه الخلطة بالأساس كانت خلف إقبال أطياف عدة من الشباب عليها خلال السنوات الماضية، والانخراط فى مجالسها، والارتماء فى حضراتها والتشرب من منهجية مشايخها الروحية، خاصة بعد سقوط المشروع الأصولى للسلفية فى أكبر بلدان المنطقة «مصر».
كما أن المدرسة الصوفية الحديثة لها علاقة واضحة بانتشار عدد من فرق الإنشاد الصوفى التى تمزج بين فن الابتهال الدينى بالأسلوب التقليدى وألوان الموسيقى الغربية والشرقية، مثل فرقة "الحضرة" التى تأسست مطلع عام 2015، وفرقة "المولوية" المصرية التى أسسها عامر التونى عام 1994، وفرقة "المرعشلي" السورية التى تأسست عام 1980، وانتقلت إلى القاهرة منذ عام 2012، وفرقة "الإخوة أبو شعر" السورية، التى تأسست عام 1983 ثم انتقلت للقاهرة عام 2012.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"…

الجريدة الرسمية