حدث في رمضان.. وفاة سيف الله المسلول خالد بن الوليد
حدث في رمضان.. في 18 رمضان 21 هـجريا الموافق 20 أغسطس 642م توفي سيف الله المسلول “خالد بن الوليد” صاحب العديد من الفتوحات والانتصارات على أعتى امبراطوريتين هما “الفرس والروم”، وقد قضى حياته كلها بين كرٍّ وفرٍّ وجهاد في سبيل الله من أجل إعلاء كلمة الحق ونصرة الدين.
إسلام خالد بن الوليد
هو أبُو سُلَيْمانْ خَالِدُ بْنُ الوَلِيْدِ بْنُ المُغِيرَةِ المَخْزُومِي القُرَشِيُّ والذي ولد في العام 30 قبل الهجرة ويلتقي في النسب مع الرسول في مرة بن كعب الجد السادس للرسول.
أبوه الوليد بن المغيرة سيد بني مخزوم أحد بطون قريش، رفيع النسب والمكانة حتى أنه كان يرفض أن توقد نار غير ناره لإطعام الناس خاصة في مواسم الحج وسوق عكاظ، وأحد أغنى أغنياء مكة في عصره حتى أنه سمّي «بالوحيد» و«بريحانة قريش»، لأن قريش كانت تكسو الكعبة عامًا ويكسوها الوليد وحده عامًا.
له ستة أخوة وقيل تسعة بين ذكور وإناث، منهم الصحابيان الوليد بن الوليد وهشام بن الوليد، إضافة إلى عمارة بن الوليد الذي عرضته قريش بدلًا على أبي طالب ليسلمهم محمدًا، وهو ما رفضه أبو طالب.
ستة أخوة وقيل تسعة بين ذكور وإناث، منهم الصحابيان الوليد بن الوليد وهشام بن الوليد، إضافة إلى عمارة بن الوليد الذي عرضته قريش بدلًا على أبي طالب ليسلمهم محمدًا، وهو ما رفضه أبو طالب.
شقيق خالد بن الوليد أسيرا في غزوة بدر
لم يخض خالد غزوة بدر أولى المعارك الكبرى بين المسلمين وقريش، والتي وقع فيها شقيقه الوليد أسيرًا في أيدي المسلمين.
وذهب خالد وشقيقه هشام لفداء الوليد في يثرب، إلا أنه وبعد فترة قصيرة من فدائه، أسلم الوليد وهرب إلى يثرب مرة أخرى.
غزوة أحد
لعب خالد بن الوليد دورًا حيويًا في انتصار قريش على قوات المسلمين في غزوة أحد قبل إسلامه، فقد استطاع تحويل دفة المعركة، بعدما استغل خطأ رماة المسلمين، عندما تركوا جبل الرماة لجمع الغنائم بعد تفوق المسلمين في بداية المعركة، انتهز خالد ذلك الخطأ ليلتف حول جبل الرماة ويهاجم بفرسانه مؤخرة جيش المسلمين، مما جعل الدائرة تدور على المسلمين، وتحوّل هزيمة القرشيين إلى نصر.
شارك خالد أيضًا في صفوف الأحزاب في غزوة الخندق، وقد تولى هو وعمرو بن العاص تأمين مؤخرة الجيش في مائتي فارس، خوفًا من أن يتعقبهم المسلمون.
كما كان على رأس فرسان قريش الذين أرادوا أن يحولوا بين المسلمين ومكة في غزوة الحديبية.
قصة إسلام خالد بن الوليد
بينما كان المسلمون في مكة لأداء عمرة القضاء في العام السابع الهجري، وفقًا للاتفاق الذي أبرم في صلح الحديبية، أرسل الرسول إلى الوليد بن الوليد، وسأله عن خالد، قائلًا له: «ما مثل خالد يجهل الإسلام، ولو كان جعل نكايته وحده مع المسلمين على المشركين كان خيرًا له، ولقدمناه على غيره.» أرسل الوليد إلى خالد برسالة يدعوه فيها للإسلام إدراكًا لما فاته. وافق ذلك الأمر هوى خالد، فعرض على صفوان بن أمية ثم على عكرمة بن أبي جهل الانضمام إليه في رحلته إلى يثرب ليعلن إسلامه، إلا أنهما رفضا ذلك. ثم عرض الأمر على عثمان بن طلحة العبدري، فوافقه إلى ذلك. وبينما هما في طريقهما إلى يثرب، التقيا عمرو بن العاص مهاجرًا ليعلن إسلامه، فدخل ثلاثتهم يثرب في صفر عام 8 هـ معلنين إسلامهم، وحينها قال الرسول: «إن مكة قد ألقت إلينا أفلاذ كبدها».
فلما وصل المدينة المنورة، قصّ خالد على أبي بكر رؤيا رآها في منامه، كأنه في بلاد ضيقة مجدبة، فخرج إلى بلاد خضراء واسعة، ففسرها له أبو بكر: «مخرجك الذي هداك الله للإسلام، والضيق الذي كنت فيه من الشرك».
سيف الله المسلول
اشتهر بعبقرية تخطيطه العسكري وبراعته في قيادة جيوش المسلمين في حروب الردة وفتح العراق والشام، في عهد خليفتي الرسول أبي بكر وعمر في غضون عدة سنوات من عام 632 حتى عام 636.
يعد أحد قادة الجيوش القلائل في التاريخ الذين لم يهزموا في معركة طوال حياتهم، فهو لم يهزم في أكثر من مائة معركة أمام قوات متفوقة عدديًا من الإمبراطورية الرومانية البيزنطية والإمبراطورية الساسانية الفارسية وحلفائهم، بالإضافة إلى العديد من القبائل العربية الأخرى.
واشتهر خالد بانتصاراته الحاسمة في معارك اليمامة وأُلّيس والفراض، وتكتيكاته التي استخدمها في معركتي الولجة واليرموك.
وورد في السنة النبوية الشريفة العديد من الأدلة على ذلك منها ما يأتي: إنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- نَعَى زَيْدًا، وجَعْفَرًا، وابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ، فَقالَ: (أخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أخَذَ ابنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ وعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ: حتَّى أخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِن سُيُوفِ اللَّهِ، حتَّى فَتَحَ اللَّهُ عليهم).
عن وحشي بن حرب -رضي الله عنه - قال: (إنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-، يقولُ: نعَمَ عبدُ اللَّهِ وأَخو العَشيرةِ خالدُ بنُ الوليدِ، وسيفٌ مِن سيوفِ اللَّهِ سلَّهُ اللَّهُ -عزَّ وجلَّ- على الكفَّارِ والمُنافِقينَ).
فتح مكة
توجه الرسول في جيش من عشرة آلاف مقاتل إلى مكة، وقسم الجيش إلى أربعة أقسام تولى بنفسه قيادة أحدها وأمّر الزبير بن العوام وسعد بن عبادة وخالد بن الوليد على الثلاثة الأخرى، وأمرهم أن يدخلوا مكة كلٌ من باب. فدخلوها كل من الباب الموكل إليه، ولم يلق أحدهم قتالًا إلا كتيبة خالد، حيث قاتله عكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو وصفوان بن أمية في جند جمعوه لقتال المسلمين، واستطاع خالد أن يظفر بهم، وقتل منهم عددًا.
وبعد وفاة الرسول -عليه الصلاة والسلام- أكمل خالد بن الوليد -رضي الله عنه- مسيرته العسكرية في عهد الخليفة أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-، وعهد الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، وحقق انتصارات وبطولات خالدة في حروب الردة، ومشاركته في أكثر من مائة معركة، وفتح العراق والشام.
تُوفّي خالد بن الوليد - رضي الله عنه - في خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وقُبضت روحه وهو على فراشه بعد صراعه مع مرض أصابه، وكان ذلك في العام الواحد والعشرين للهجرة، وقد بلغ من العمر ستين عامًا.
فلا نامت أعين الجبناء
وفي عام 638، وهو في أوج انتصاراته العسكرية، عزله الخليفة عمر بن الخطاب من قيادة الجيوش لأنه خاف أن يفتتن الناس به، فصار خالد بن الوليد في جيش الصحابي أبو عبيدة عامر بن الجراح وأحد مقدميه، ثم انتقل إلى حمص حيث عاش لأقل من أربع سنوات حتى وفاته.
وقد قيل إن حكمة الله - عز وجل - قضت أن لا يستشهد خالد بن الوليد في أية معركة؛ لأنّه فهو سيف الله المسلول، ولا يمكن قتله من قبل أعداء الله.
مكان قبر خالد بن الوليد
هناك قولان في مكان دفن خالد بن الوليد -رضي الله عنه-، وهي كما يأتي:
قيل إنّه توفّي في المدينة المنورة ودُفن فيها.
قيل إنّه توفّي في سوريا في مدينة حمص، وهو القول الأشهر بين العلماء والمؤرّخين، وذكره ابن كثير - رحمه الله - في كتابه "البداية والنهاية"، ومشهده موجود على باب حمص.
أقوال خالد بن الوليد قبل موته قد حزن أنّه لم يمت في الجهاد، وقد قال وهو على فراش الموت أقوال خلدها التاريخ، فيما يأتي ذكرها: "لقد شهدت مئة زحف أو زهاءها، وما في بدني موضع شبر، إلا وفي ضربة بسيف، أو رمية بسهم، أو طعنة برمح، وها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي، كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء". "ما كان في الأرض من ليلة أحب إلي من ليلة شديدة الجليد في سرية من المهاجرين أصبح بهم العدو، فعليكم بالجهاد". "لقد طلبتُ القتل في مظانه، فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي، وما من عملي شيءٌ أرجى عندي بعد لا إله إلا الله من ليلة بتُّها وأنا متترس بترسي والسماء تهلبني، ننتظر الصبح، حتى نغير على الكفار "، ثم قال: "إذا أنا مت، فانظروا سلاحي وفرسي، فاجعلوها عدة في سبيل الله عز وجل".