حديث الفرخة في مصر
سقطت اللحمة من اهتمام المصريين وانزلقت بعيدا في مكان مهجور من الذاكرة، بينما صعدت الفرخة صعودا بارزا، وصارت حديث الرأي العام، ومعها وبالتوازي بيضاتها، الحمراء والبيضاء على السواء.
لم يحدث منذ زمن بعيد أن شغل المصريون بطعام ارتفع سعره بجنون، ولم يحدث أن صار الشجار اليومي بين الناس وبين التجار أحد الطقوس في السوق، تقود أحيانا إلى اقسام الشرطة..
ولم يحدث أن كانت المشاجرات ملازمة لوجبات الطعام في بيوتنا، فالزوجات يشكين الغلاء، والأزواج يعرفون، وهم عاجزون، لكن لا تكف الزوجة عن ترديد النشيد اليومي: الفرخة ب١٠٠ جنيه.
ويؤمن الزوج علي كلامها محزونا، ثم كاظما غيظه منها ومن التاجر ومن الحكومة، فكلهم يضغطون علي أعصابه، وإذا سكتت الزوجة عن الفرخة كلها وسعرها، ندبت ولطمت أن صدر الفرخة -البانيه-اقترب من ال٢٠٠جنيه، ويتكرر اللحن اليومي الجنائزي..
أما حديث البيض فحدث ولا حرج، إذ ترقد بباب الثلاجة عشر بيضات، كل بيضة بخمسة جنيهات، تهز رأسها أسفا وحزنا وتكلم نفسها، الزوجة طبعا لا البيضة، وتتذكر أن المائة وخمسين جنيها سعر الثلاثين بيضة، كانت تشترى ثلاث كراتين، اي تسعين بيضة!
الفرخة وما أدراك ما الفرخة، وبخاصة بعد دخول الصنف البرازيلي دخولا سريعا طائرا، مجمدا وبسعر أقل ثلاثين في المائة من الصنف المصرى المحلي..
أزمة الفراخ المستوردة
ملأ الشك بطون المصريين، إذ رأوا الدجاجات البرازيليات يهبطن هبوطا مظليا، لإنقاذ الموقف، فتساءل الناس، لماذا تركتنا الحكومة طعاما لحفنة احتكاريين من مربي الدواجن، سرقوا الأعلاف، وخزنوها، وباعوا للناس الفرخة كأنها من ذهب!
ولم تكد الفرخة البرازيلية تستقر على الموائد المصرية حتى لاحقتها الشائعات، لتطفيشها، فمنذ دخولها البلاد، تبعتها شائعات أنها فاسدة، وأنها غير مذبوحة على الطريقة الإسلامية، وأنها مجمدة، اي فقدت قيمتها الغذائية..
ومن الواضح أن هذا النوع من الردح الخبيث صادر عن أسراب الفراخ المحلية، وأصحابها، لكي يبتعد الناس عن البرازيلية ويعودون إلى أحضان الفرخة المصرية، المعصعصة،أم 120 جنيها!
من صاحب المصلحة في ضرب شحنات الدجاج المستوردة لانقاذ الناس من فحش التجار أصحاب المزارع ؟ إنها المجموعة الاحتكارية كالعادة، لم يعد أمامها الإ اطلاق الشائعات لاعادة سيطرتها علي السوق وفرض السعر الباهظ على المواطن، رغم أن الحكومة تركت الأخير تحت رحمة هذه المجموعة شهورا، تتلاعب بالأسعار، دون أن تحرك ساكنا، وتكاد تتوسل أن ارحموا الناس.
ظنت الحكومة أنها تحمى صناعة وطنية، فإذا باصحاب هذه الصناعة قد انقلبوا على الناس وعلى الحكومة، وأشاعوا السخط والغضب.. لاتزال الفرخة البرازيلية تتهادى علي المائدة المصرية، مجمدة ولا فاسدة، ولاحتى بلا قيمة غذائية، لا يهم، المهم أنها أرخص، وأطعم، وتسد جوع الولاد!
هل هوينا إلى هذه الحفرة. من العبث؟
إذا جاع المرء ذهب عقله..
إنها دروس التاريخ.. فاعتبروا.