المخدرات والمستقبل المظلم
لم تعد المخدرات ظاهرة كما كنا نطلق عليها، بل صارت واقعا مستديما أليما يحمل بين طياته بذرة انهيار المجتمع وتدميره، ويعتبر تعاطي المخدرات بحد ذاته سلوكا إجراميا، وذلك لما للمخدرات من تأثير ضار لا يقتصر فقط على الشخص المتعاطي نفسه وإنما يمكن أن يشكل خطرا على الآخرين، فالمخدرات تؤثر على عقل المتعاطي وتفقده السيطرة على سلوكه وتصرفاته وتجعله أكثر عدوانية وتحطم كل قيمه الدينية والأخلاقية، وتجعله غير واعٍ بما يقدم عليه من سلوك، فيقدم على ارتكاب أفعال غير أخلاقية قد تصل إلى حدود الجريمة دون إدراك أو وعي.
وفي ضوء الأرقام التي رصدها أحد أهم الأبحاث التي تمت تحت إشراف وزارة الصحة فإن نسبة استخدام المخدرات فى مصر %20.6، يعنى أكثر من%20 من الشعب المصرى تعامل مع المخدرات. والغريب أن سن التعاطى انخفض إلى 11 سنة للمخدرات، و12 سنة للتدخين، وأجزم أنني صادفت أطفالًا أعمارهم 10 سنوات يدمنون الترامادول..
ومعظم هؤلاء تعلموا الإدمان من الأسطى أثناء العمل فى الورش، ووفق الأرقام الرسمية لوزارة الداخلية ضبطت الأجهزة الأمنية 93 ألفا و997 قضية جلب وترويج وتعاطي مواد مخدرة في فترة وجيزة، وجاء على رأس المضبوطات 347 طنا من مخدر البانجو، و28.7 طنا من الحشيش، و3.4 أطنان من الهيروين، و847 كيلوغراما من الأستروكس، و23 مليونا و71 ألف قرص مخدر.
والغريب أن انتشار المخدرات بهذه الصورة البشعة التي لم تكن عليها الأحوال منذ سنوات طويلة يرجع إلى سهولة الحصول عليها وتوافرها وتنوعها بين الغالي والرخيص، فأصبح الجميع في مقدوره الحصول على المخدرات والعقاقير المخدرة، بعد أن كانت المخدرات لها طريق واحد هو الاستيراد والتهريب للداخل صارت المخدرات تصنع ببساطة في المنازل وتباع بسهولة بيع الجبن والحلوى!! وأصابت خيرة شباب مصر ومستقبلها..
فأعلى نسبة تعاطٍ للمخدرات هي الفئة العمرية 20 – 29 سنة وقد بلغت النسبة 38% تقريبًا وهي أعلي نسب الإدمان والتعاطي، ولا شك أنها في عنفوان الشباب، ولذا فقد استطاع مروجي السموم أن ينخروا في عضد الأمة من خلال الفتك في عضد الشباب بناة الغد ورجال المستقبل وهذا الأمر لا يمكن أن يكون مصادفة بل هناك خطة ممنهجة من مخابرات إسرائيل والماسونية العالمية لضرب شباب مصر الذين سيحملون راية الدفاع عنها وبالتالي يسهل الاستيلاء على مصر وتدميرها.
حوادث مرتبطة بالمخدرات
ويوميا تقريبا أفاجأ بحادثة مرتبطة بالمخدرات في المنطقة التي أقطن به -منطقة الشرابية الزاوية الحمراء- وذلك من قبيل مصرع مدمن في حمامات المساجد أو مقتل مواطن على يد مدمن، أو تعدي مدمن على فتاة أو شاب من أجل السرقة أو حالات السرقة المتنوعة التي طالت حتى صناديق الكهرباء بالشوارع وأغطية البلاعات الخ، ولا يمكن أن أوجه اللوم في ذلك إلى قسم الشرابية أو قسم الزاوية الحمراء لأن هذه الأقسام تقوم بالفعل بمجهودات خارقة للسيطرة على الجرائم والحد منها، ولها الفضل في تحجيم المجرمين..
لكن بدون شك تحتاج –كما يحتاج غيرها من الأماكن الشرطية– إلى زيادة القوة الأمنية المناسبة للجريمة، فعدد القوات الشرطية بصورة عامة ضئيل جدا بالنسبة لحجم الجرائم وحجم سكان المناطق المختلفة، وتحاول الأقسام الشرطية أن تؤدي وظيفتها بما يتوافر عندها من إمكانيات، لكن ينبغي أن يعزز الأمن في مثل هذه المناطق بصورة مستديمة وليس من خلال بعض الحملات التي تأتي من مديريات الأمن..
فالمطلب الأمثل زيادة عدد أفراد الشرطة ليتواكب مع عدد أفراد الشعب ويواجه الجرائم المتزايدة، فقد بلغ عدد أفراد الشرطة بوجه عام في عام 2016 لأنه لا يوجد لدي إحصاء جديد –طبقا لجريدة الوطن في عدد 22 فبراير 2016 - ما يقرب من 360 ألفًا، وهو رقم يقترب من 8 أضعاف عدد الضباط (لا يتجاوز 40 ألفًا)..
وعدد أمناء الشرطة منهم يتراوح ما بين 110 و120 ألفًا، والباقي من الدرجات الأولى من درجة «عريف» حتى «مساعد أول»، وهذا العدد على فرض زيادته إلى 500 ألف – وأشك في ذلك – لن يكون كافيا لمواجهة الجريمة بحيث نجد أن كل ضابط مسئول عن أمن ما يزيد على 3000 مواطن في حين الرقم الأمثل يكون 300 مواطن، وهذا الأمر جعل مصر تحتل المركز الثالث عربيا والـ24 عالميا في جرائم القتل.
ولم يقتصر الواقع المؤلم في الإدمان على أنصاف المتعلمين أو محدودي الثقافة والدخل، بل شملت أيضا أطباء وأساتذة جامعيين وإعلاميين، مما يفتح الباب أمام تساؤلات حول خضوع هؤلاء الجناة لضغوط أو أمراض نفسية، تقودهم للفتك بأقرب الناس إليهم، تحت تأثير عامل مشترك في بعض تلك الجرائم، وهو المخدرات..
وتعد مادة الإستروكس من أخطر أنواع المخدرات التي تؤدي إلى تغييب العقل وتدفع بمتعاطيها إلى اقتراف جرائم قتل لأهون الأسباب حتى بحق أقرب الناس إليه فهي تجعل المتعاطي ينفصل عن الواقع ويفقد ذاكرته خلال مدة تعاطيه المخدر، مع حدوث تقلبات مزاجية وتخيلات وأشياء لا وجود لها في الواقع، ومن ثَم تدفعه إلى القتل.
والمتعاطي خلال فترة تواجد المخدر في جسمه، يشعر وكأنه في حلم وهذا يجعله يقوم بأية جريمة دون الإحساس بفعله إلا بعد أن يزول تأثير المخدر، مما يفسر محاولة الجاني الذي قتل زوجته وأبناءه للانتحار بعد أن أفاق على فداحة جريمته البشعة.. ومن الآثار النفسية لهذه المادة "عقدة الغيرة المرضية"، فيتخيل المتعاطي أي تصرف من زوجته مثلا باعتباره خيانة تستوجب القتل.