الطيب والبابا.. معارك رجلين عظيمين
رجلان عظيمان، من حسن حظنا أن عشنا لنراهما.. الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، ورئيس المجلس العالمي لحكماء المسلمين.. والبابا فرانسيس، بابا الفاتيكان.. شخصان عظيمان، يتنافسان في صالح البشرية، ويتعاونان من أجل خدمة الإنسانية.
آخر حروب البابا فرانسيس كانت مع الاستعمار الذي دمر القارة الأفريقية، وأودى بحياة ملايين الأفارقة.. ندّد البابا فرنسيس، في مستهل زيارته إلى الكونغو الديمقراطية بـ"الاستعمار الاقتصادي"، قائلا: "ارفعوا أيديكم عن أفريقيا!".
وفي خطاب ألقاه بالإيطالية أمام مسؤولين ودبلوماسيين في القصر الرئاسي، قال البابا: "توقفوا عن خنق أفريقيا، إنها ليست للاستغلال، ولا هي أرض للخراب والنهب. لتبن أفريقيا مصيرها".
وفي خطابه حضّ البابا فرنسيس الكونغوليين على تجنّب "الانزلاق إلى القبلية والمعارضة"، وشجع على العودة إلى "إرادة المصالحة والإصرار على الرجوع إليها من أجل مستقبل مشرق بالسلام والازدهار".
أما الإمام الأكبر، فكانت آخر معاركه مع الغزو الثقافي والسلوكيات الدخيلة، فقال عنها: "تلك الصور النمطية يحاول البعض ترويجها لوصم الشخص العربي بالبدائية والتخلف وتصفه بالجهل والسطحية، وتحاول إقصاءه عن جذوره الثقافية، وجذبه إلى ثقافات دخيلة تهدم مفهوم الأسرة".
بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر
وشدد على ضرورة خلق طرق مبتكرة ووسائل جديدة لمواجهة هذه الصور النمطية، وتحصين شبابنا العربي، محذرًا من خطورة تطبيع هذه السلوكيات الدخيلة من خلال منصات الإعلام الرقمي والتواصل الاجتماعي والمناهج التعليمية.
ودعا الكتاب والمثقفين العرب إلى إبراز الجوانب المضيئة في تراثنا الإسلامي والعربي، ووصفهم بأنهم هم حائط الصد في معركة الحفاظ على الهوية العربية في مواجهة الغزو الثقافي والسلوكيات الدخيلة التي تحاول بعض التيارات الغربية الزج بها في مجتمعاتنا وعقول شبابنا وبناتنا.
ونصحهم بإحياء اللغة العربية في عقول الشباب والاعتزاز بالهوية العربية، كأهم سلاح في تلك الحرب.. ونبه إلى خطورة الاجتراء على المقدسات، لافتا إلى أنه من المؤلم أن يكون الدين وما ينبثق عنه من قوانين وتعاليم أخلاقيَّة ضابطةٍ لمسيرة الحضارات، في مُقدِّمةِ المقدَّسات التي تنكَّرت لها حضارتنا المعاصرة وسَخِرت منها، ثم ما لبثت أن ألقت بها وراء ظهرها، واستبْدَلت بها دِينًا آخر يقوم على الكُفر والإلحاد.
بهرتني شجاعة البابا واستخدامه لكلمات شديدة القوة، بل والقسوة، في مواجهة بشاعة الاستعمار والاستغلال اللذين مارسهما الاحتلال الاقتصادي لأفريقيا، واستنزافه لموارد القارة السمراء، وتدميره ونهبه لمواردها.. واختيار الإمام الطيب للموضوعات التي يطرحها في الفعاليات الكبرى التي يرعاها أو يحضرها.. ملفات غاية في الخطورة، ومواكبة الأحداث.
الإثنان متمسكان بالثوابت القيمية والدينية والتقاليد الحضارية التي يجب أن يراعيها الجميع ويحترموها.. أسأل الله أن يبقيهما، ويحفظهما، ويكلأهما بعين رعايته، لكي يفيدا العالمين، مسلمين ومسيحيين، بل وسائر خلق الله، من جميع الديانات، والانتماءات.