رئيس التحرير
عصام كامل

محمد حسنين هيكل، سر تعلق الجورنالجى بعبد الناصر، وماهي الرصاصة التي أطلقها في قلب نظام مبارك

هيكل مع عبد الناصر
هيكل مع عبد الناصر والسادات اثناء زيارة لجريدة الاهرام،فيتو

محمد حسنين هيكل، صحفى ومحلل سياسى، عرف بالأستاذ، ولقب بالجورنالجى وأحد صناع القرار، نموذج للصحفى المختلف والموسوعى، حالة استثنائية فى تاريخ الصحافة المصرية والعربية والعالمية، صنع نجوميته خطوة بخطوة ورغم ذلك اتهموه بالقفز على الكرسى ودافع عن نفسه بالأعمال لا بالأقوال، رحل في مثل هذا اليوم 17 فبراير 2016.


ولد الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل بقرية باسوس محافظة القليوبية عام 1923، ونشأ بحي الحسين وكان حلمه أن يصبح طبيبا، ولكن الظروف حالت دون تحقيق أحلامه نظرا لدراسته بمدرسة التجارة المتوسطة إلا أنه واصل دراسته في القسم الأوروبي بالجامعة الأمريكية، وخلالها تعرف على سكوت واطسون الصحفي المعروف وقتئذ بالإيجيبشيان جازيت ـ المطبوعة الأجنبية الأولى فى مصر ـ  واستطاع عن طريقه أن يلتحق بالجريدة عام 1942 بقسم الحوادث.

جائزة فاروق الاول 

انتقل  للكتابة في مجلة آخر ساعة.حيث قدم تغطيات صحفية لحوادث وباء الكوليرا فى محافظة الشرقية، وحصل بسببها على جائزة فاروق الأول ثلاث سنوات متتالية، ومن أشهر الحوادث التى قام بنشرها  هيكل حادث حرق الطائرة التى كانت تقل الممثلة اليهودية كاميليا ونشره بعنوان عريض (كاميليا نار احترقت فى النار).
وفى 1952 عين رئيسا لتحرير آخر ساعة وهو في التاسعة والعشرين انتقل بعدها إلى الأهرام عام 1957 رئيسا للتحرير وكاتبا لعمود بعنوان " بصراحة " ثم رئيسا لمجلس إدارتها.

 

هيكل فى بداياته الصحفية 

في كتاب أصدرته سلسلة كتاب اليوم من مؤسسة أخبار اليوم بعنوان "بصراحة" كتب الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل يحكى كيف كان مشواره الصحفى فقال: قابلت الأستاذ محمد التابعي ـــ صاحب آخر ساعة ــ لأول مرة في مكتب هارولد ايرل رئيس تحرير "الجازيت" ـ التي كنت أعمل محررا فيها ـ وفي اليوم التالي دعاني الأستاذ التابعي إلى لقاء معه وعرض على الكتابة في آخر ساعة فانتقلت من الجازيت إلى آخر ساعة محررا في مجلس النواب وحين فكر التابعى في بيع آخر ساعة واشتراها مصطفى وعلى أمين وضماها إلى أخبار اليوم أبلغنى التابعى أنهما يريدان ضمى اليها.

مرحلة الكتابة البرلمانية فى آخر ساعة 

وأضاف: كان اميل زيدان صاحب دار الهلال قد عرض على رئاسة تحرير مجلة الاثنين بعد خروج مصطفى أمين منها، لكن على أمين قابلنى وعانقنى وقال لى مكانك الحقيقى في أخبار اليوم، ووجدتني في دار أخبار اليوم محررًا وسكرتيرًا لتحرير آخر ساعة عام 1946 وساعدني على التأقلم الصحفي خفيف الدم والروح كامل الشناوي.

هيكل وعبد الناصر وصداقة عمر 

كانت علاقة "هيكل" بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر علاقة صداقة قوية، جعلت هيكل مقربًا جدًا من الرئيس، ومن دوائر صنع القرار، بل مشاركًا في صناعته، والمحرك للعديد من الأحداث، وأحد صناع تاريخ مصر بعد ثورة يوليو.


يقول عن مكانته عند عبد الناصر: الذي صنع مركزى عند الرئيس جمال عبد الناصر شيء واحد هو قدرتى على خدمة الهدف العام الذي كان يسعى عبد الناصر إلى تحقيقه وليس هناك سبب آخر، وكان هناك من هم أقرب إليه منى منهم إحسان وأحمد أبو الفتح واقترابى من مراكز صنع القرار وضع طبيعى للاقتراب من الأخبار.

صداقة طبيعية بين هيكل وعبد الناصر 

وحول اتهامه أنه كان الصحفي الأوحد لدى جمال عبد الناصر ومشاركته في صنع القرار قال الاستاذ هيكل:عرفت جمال عبد الناصر.. نعم، وتشرفت بصداقته نعم.. صداقة طبيعية بين رجل تاريخي نادر وبين صحفي وكاتب عاش في عصره.. هي ظاهرة حدثت وتحدث في الدنيا كلها، وقالوا عنى الصحفى الأوحد وأقول لهم كنت قبل عبد الناصر أحد رؤساء التحرير في صحف أخبار اليوم وكان عمرى بضع وعشرين عاما، 

الجورنالجى محمد حسنين هيكل 

وأضاف: لم أصنع سجلى الصحفى بالجلوس على المكاتب أو الوقوف على أبواب الوزارات وإنما صنعته بالحث عن المتاعب في ميادين القتال والحروب والثورات والحرائق، وانا الوحيد ـ آسف للفظـ ـ الذى حصل على جائزة فاروق الأول للصحفيين الشبان ثلاث سنوات متعاقبة عن مجموعة تحقيقات عن وباء الكوليرا، ثم عن حرب فلسطين، وعن الحرب الأهلية في اليونان.


وبعد الثورة وبعد عبد الناصر ماذا فعلت، تركت مكاني في الأهرام بعد 17 عاما رئيسا لتحريره، كنت أتقاضى خمسة آلاف جنيه في السنة، ولم يزد هذا المبلغ مليما حتى خرجت بل انتقصت منه الضرائب واستقطاعات المعاش، واعتذرت عن منصب مستشار الأمن القومي ونائب رئيس الوزراء بعد أن عرضهما السادات علي.

سلسلة من المؤلفات 

وتابع هيكل:جربت حظي في نشر الكتب فأصدرت أول كتاب (وثائق القاهرة ) بعيدا عن مصر ونشره لي اللورد هارتويل صاحب مجموعة صحف التلجراف وبيع لــ21 ناشرا في العالم، الكتاب الثاني عن حرب 1967 والثالث عن الطريق إلى رمضان، ثم أبو الهول والقوميسير، ثم كتاب الثورة الإيرانية الذي كتبته من طهران، ثم خريف الغضب وهكذا..


أريد أن أقول بتواضع وبخجل حقيقي من نفسي ومن الناس.. إنها تجربة حياة.. إنها حياة صحفي بدأ قبل عبد الناصر واستمر بعد عبد الناصر وبالتالي فترة حكم عبد الناصر لم تكن فيها مجاملات او استثناءات إنما كانت خط سير طبيعيا بين ما كان قبله وما جاء بعده.

تسبب تطور علاقة هيكل بالرئيس السادات في الاعتقال والاستبعاد،حيث بدأ التأييد والصداقة في بداية حكمه، إلى العداوة والقبض عليه في أواخر عهده، ففي عام 1970، كتب هيكل ثلاثة مقالات حملت عنوان "السادات وثورة التصحيح"، أشاد خلالها "الأستاذ" بالرئيس الذي لم يكمل عامه الأول وقتها في سدة الحكم.
ظلت علاقة هيكل بالسادات جيدة حتى حرب أكتوبر، عندما رفض هيكل طريقة تعامل الرئيس السادات مع انتصار حرب أكتوبر سياسيًا، وكان يرى أن السادات يعطي للولايات المتحدة دورًا أكبر مما ينبغي، بعد انتصار تحقق بسلاح جاء من الكتلة الشرقية، 

استبعاد هيكل من الاهرام 

وفى فبراير عام 1974، أصدر السادات قراره بإبعاد محمد حسنين هيكل رئيس مجلس إدارة وتحرير الأهرام إلى العمل كمستشار للرئيس، ورفض هيكل العرض، وفى عام 1981 وجه السادات اتهاما مباشرا له بأنه لم يعد صحفيا بل أصبح سياسيا وعليه أن يترك الصحافة إلى السياسة، وليس من حقه كصحفى أن يناقض القرار السياسي،وكانت النتيجة اعتقال هيكل ضمن اعتقالات 5 سبتمبر.

هيكل ومبارك وصراع حتى النهاية 

عندما تولى مبارك حكم مصر عام 1981 بادر بالإفراج عن كل المعتقلين في عهد السادات، ومن بينهم " هيكل"، الذي رأى في تصرفه هذا بداية جديدة مبشرة، بعدما دعاه إلى قصر الرئاسة ودار حديث بينهما امتد لست ساعات متواصلة،ودعا هيكل المواطنين لتأييد مبارك ومساعدته لينجح في مهمته، حيث رأى «الأستاذ» أن الصفحة التي فتحها مبارك معه ومع غيره من السياسيين الذين ألقاهم السادات في سجونه، باتت صفحة مشرقة تستحق المساندة.


ثم خرج هيكل عن النص وهاجم مبارك خلال محاضرة  ألقاها في الجامعة الأمريكية، عام 2002، كانت بمثابة رصاصة في قلب نظام مبارك، بعدما قال: "إن السلطة شاخت في مواقعها، وهناك مخطط واضح لتوريث الحكم، ومهما كانت الصورة حلوة، فلا بد أن نقول كفاية "، لتبدأ معركة جديدة بين هيكل والرئيس الأسبق.

اعتزال فى الثمانين 

واعتزل الأستاذ محمد حسنين هيكل الكتابة المنتظمة فى مجلة "وجهات نظر" يوم بلغ الثمانين عام 2003، وهاجمه الإخوان بعد توليهم حكم مصر في عهد "المعزول" محمد مرسي، ويعد هيكل أحد الظواهر الثقافية العربية فى القرن العشرين ومؤرخا للتاريخ العربى الحديث.

رحيل أستاذ الصحافة العربية 

وشهد، يوم الأربعاء، 17 فبراير 2016، رحيل أستاذ الصحافة العربية عن عمر ناهز 93 عامًا، بعد صراع مع المرض، بعد أن ساءت حالته الصحية قبلها بثلاثة أسابيع، حين بدأ بالخضوع لعلاج مكثف في محاولة لإنقاذ حياته، بعد تعرضه لأزمة شديدة بدأت بمياه على الرئة رافقها فشل كلوي استدعى غسيل الكلى ثلاث مرات أسبوعيًا.
 

الجريدة الرسمية