حرب المناطيد.. قصة أعنف الصراعات الصفرية بين أمريكا والصين
لم تعد أمريكا تتحمل وجود الصين أو العكس، ضاقت عليهما الأرض بما رحبت، فانتقلت معاركهما للسماء على ارتفاع يتراوح بين 12 و60 ميلا من سطح الأرض، وعبر طبقة رقيقة من الغلاف الجوى.
ويتناول العالم أخبار مثيرة بعضها وصل للحكايات الأسطورية عن مناطيد نشرتها الصين مؤخرًا بزعم استخدامها فى أغراض بحثية، ولم تترك الولايات المتحدة السماء دون سيطرة، فكالت اتهامات مباشرة للصين بأن المناطيد جزء من برنامج مراقبة وتجسس صينى واسع النطاق، لذا حاولت الولايات المتحدة الأمريكية إسقاطها.
تفاصيل جديدة
مسئول كبير بوزارة الدفاع الأمريكية، كشف تفاصيل أخرى وأكد أن المناطيد جزء من برنامج مراقبة عسكرى صينى واسع النطاق يشتمل على أسطول من المناطيد ينفذ عشرات المهام على الأقل فوق أكثر من 40 بلدًا عبر 5 قارات.
الصين بالتأكيد ردت سريعا ورفضت الاتهامات الأمريكى بشكل قطعى، وقالت إن التحليل العسكرى للمناطيد نوع من حرب المعلومات ضد الصين، وأن المنطاد الذى تم تحديده فوق الولايات المتحدة هو مدنى بطبيعته، وربطته بـالشركات، رغم رفضها تقديم مزيد من المعلومات حول الجهة التى صنعت المنطاد.
توسعت الحرب بين الغرب والصين، وسريعا تحركت الحكومات المتحالفة مع أمريكا على شاكلة أستراليا التى أعلنت عبر وزارة الدفاع أنها ستسحب جميع كاميرات المراقبة صينية الصنع من مبانيها للتأكد من أنها باتت أمنه تمامًا وتحديدا المواقع التابعة لوزارة الدفاع.
كشفت أستراليا تحت ضغط المعارضة أن الصين صنعت لها حوالى 913 كاميرا مراقبة، نشرت فى أكثر من 250 مؤسسة حكومية من بينها وزارتي الخارجية والمالية، وكذلك مكتب النائب العام، كما أعلنت إدارة النصب التذكارى للحرب الأسترالية أنها ستسحب عددًا من الكاميرات الصينية الصنع، وتحديدًا الكاميرات المصنعة لشركتى «هيكفيجن» و»داهوا» المدرجتين على اللائحة السوداء للولايات المتحدة الأمريكية.
بشكل عام أصبح هناك رأى عام غربى وأسترالى بشكل خاص، يرى أن الكاميرات الصينية تشكل مخاطر على الأمن القومى، وذلك على الرغم من نفى «هيكفيجن» الصينية تلك الاتهامات، مؤكدة أن منتجاتها تتوافق مع جميع القوانين والأنظمة الأسترالية المعمول بها كما تخضع لالتزامات الأمن الصارمة.
شك غربي
ما يؤكد الشك الغربى، أن كل من جزيرة تايوان التى تتمتع بالحكم الذاتى، واليابان أيضًا تحدث عن منهم عن أحداث مماثلة فى الماضى، رغم أنه ليس من الواضح ما إذا كانت مرتبطة بحادث المنطاد فوق الولايات المتحدة.
ومن جانبها وردًا على تلك الاتهامات المتداولة كشفت دراسات بحثية علمية صينية، أن بكين تولى اهتمامًا متزايدًا بالمناطيد كونها تعد المركبات الأخف للاستخدام بمجموعة من واسعة الأغراض كالاتصالات والاستطلاع والمراقبة.
أشارت الدراسة إلى أن تلك البالونات ـ المناطيد تعود إلى السبعينيات، لكن على مدار العقد الماضى أصبح هناك تركيز على استخدام التكنولوجيا القديمة بعد تزويدها بمعدات جديدة فى وقت زادت فيه القوى الكبرى حول العالم من قدراتها فى السماء.
وبشأن التساؤلات المتزايدة حول الأزمة الدائرة فى الوقت الحالى بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية حول مناطيد التجسس المزعومة وإمكانية تأجيج الصراع بين القوتين فى الفترة المقبلة، قال نادر رونج ووهان الإعلامي الصينى والمحلل السياسى فى تصريحات خاصة لـ «فيتو»، إن الصين أكدت مرارًا وتكرارًا أن هذا المنطاد المزعوم ذو طبيعة مدنية وجرى نشره من أجل الأرصاد الجوية والبحوث العلمية فقط.
أشار إلى أن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية سبق وأكد أن المنطاد لا يشكل خطرًا وتحديدًا على المنشآت العسكرية أو السكان فى الولايات المتحدة الأمريكية، لكن إصرار الولايات المتحدة على إسقاطه أدى إلى الغضب الصينى، ودفع بكين للإعراب عن أسفها لهذه الحادثة الغير متوقعة والتى تعد خارج إرادة الصين.
أضاف: كذلك أعربت الصين عن معارضتها لإصرار الولايات المتحدة على إسقاط المنطاد بالقوة موضحا أن الصين لم تنتهك أي دولة ذات سيادة، وتأمل فقط من الولايات المتحدة التعامل بحذر وهدوء تام فى هذا الأمر، لكن ما حدث من قبل واشنطن بشأن المنطاد وإسقاطه عنوة يعد مبالغة إضافة إلى توجيهها عدد من الاتهامات غير الصحيحة لبكين.
وتابع الإعلامي الصينى والمحلل السياسى، موضحا أن بلاده لا تريد أي مواجهة أو تصعيد مع الولايات المتحدة، كما ترفض العودة إلى أيام الحرب الباردة، إذ ترى بكين أن التنافس والسباق الصينى الأمريكى يجب أن يكون شريفا للتقدم وليس سباق لضرب الآخر.
استكمل المحلل السياسى مؤكدا أن الصين تريد تهدئة الأوضاع مع الولايات المتحدة لكنها فى الوقت ذاته ستدافع عن مصالحها الجوهرية والمشروعة للشركات الصينية، لافتا إلى أنها تريد إنهاء هذه الأزمة، ولكن ذلك يتوقف على سلوك الولايات المتحدة، حيث يجب عليها عدم التصعيد والمبالغة فى ذلك الأمر، مشيرا إلى أن رفض وزارة الدفاع الصينية الاقتراح الأمريكى بإجراء مكالمات معها جاء فى ظل هذه المبالغة والتصعيد من قبل أمريكا حتى تهدأ الأوضاع.
من ناحية أخرى، قالت الدكتورة تمارا برو، المحلل السياسى والخبير فى الشأن الصينى أن الصين اتهمت بأن لديها أسطول بالونات تجسس، وأجرت ما لا يقل عن 20 مهمة تجسس فى 5 قارات فى السنوات الأخيرة بعد أن ادعت واشنطن أن المنطاد الذى حلق فوق أراضيها كان بهدف التجسس.
وأضافت: الصين نفت ذلك وقالت إنه مخصص للأبحاث العلمية والأرصاد الجوية وخرج عن مساره بفعل الرياح، كما أوضحت أن أزمة المنطاد بين البلدين أدت إلى تأزيم زيارة وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن التى كانت مقررة للصين لبحث الملفات العالقة بين البلدين وتخفيف حدة التوتر.
وأشارت الخبيرة إلى أن التحقيقات التى تجريها واشنطن حول المنطاد تعنى استعمال واشنطن المنطاد كورقة ضغط على بكين لتحقيق مطالبها، ما سيعمق أزمة عدم الثقة بين الولايات المتحدة وبكين ودول العالم ويزيد التوترات بينهم.
التصعيد الأمريكي الصيني
أوضحت تمارا برو، أنه رغم التصعيد إلا أن الرئيس الأمريكى جو بايدن أكد أن العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين لم تتضرر نتيجة إسقاط منطاد التجسس كما أكد على هامش قمة مجموعة العشرين فى إندونيسيا العام الماضى بأنه لن يكون هناك حرب باردة جديدة مع الصين.
استكملت: ما من شك أن أزمة المنطاد زادت التوتر بين البلدين، وأولى بوادره تأجيل بلينكن زيارته التى لم يكن متوقع منها أن تحل الموضوعات المتشاركة كقضية تايوان والتى تعتبرها الصين خطًا أحمر ولكن كان يمكن أن تخفف من حدة التوتر بين الجانبين.
وتجدر الإشارة إلى أن لا الصين والولايات المتحدة ترغبان فى المنافسة العسكرية والتصعيد ويستدل ذلك من زيارة بلينكن لن تلغى ولكن أجلت، كما أن ارتفاع حجم التبادل التجارى بين البلدين خلال العام 2022 بلغ 690 مليار دولار رغم تصاعد التوتر ما يؤكد حجم المصالح بين البلدين.
وبالرغم من ذلك، تشير “برو» إلى طلب الصين إعادة حطام البالون الذى اسقطته أمريكا باعتباره ملكها، لكن الولايات المتحدة ترفض ذلك، وأوضحت أن القضية أخذت منحى آخر بعد خطاب حالة الاتحاد الذى القاه أمام الكونجرس الرئيس الأمريكى جو بايدن، إذ أوضح أن تهديد الصين سيادة الولايات المتحدة سيجعلها تلجأ لحماية نفسها كما فعلت بلاده فى إشارة إسقاط المنطاد.
أوضحت الخبيرة أن أمريكا تعتبر المنطاد الصينى انتهاكًا لسيادتها، بينما ردت الصين بأنها ستدافع بحزم عن مصالحها.
نقلًا عن العدد الورقي…،