د. هدى أبو رميلة: مصر تمر بمنعطف جديد لأزمة الدين الخارجي.. وخطط التقشف الحكومية السابقة فشلت لهذه الأسباب (حوار)
الآثار الانكماشية لسياسات التقشف المالى للحكومة قد تمتد للحد من الانتاج
ديون مصر الخارجية تضاعفت بأكثر من ثلاث مرات في السنوات العشر الأخيرة
ترى د.هدي أبورميلة استاذ الاقتصاد الدولي إن سياسات التقشف المالي التى أعلنت عنها الحكومة مؤخرا " قد تاتي بما لا تشتهي السفن " حيث تمتد آثارها الانكماشية إلى الحد من الانتاج.
واعتبرت فى حوار لـ "فيتو" إن خطط الحكومة المصرية السابقة قد فشلت في التقشف لعدة أسباب، منها الضعف في التخطيط والتنفيذ، وصعوبة الحد من النفقات الحكومية والتوسعات النقدية، وضعف الإيرادات الحكومية وعدم شفافية الإجراءات التي تتخذها.
وقالت إن ديون مصر الخارجية تضاعفت بأكثر من ثلاث مرات في السنوات العشر الأخيرة لتصل الى أكثر من 155 مليار دولار وإلى تفاصيل الحوار:
** فى البداية كيف ترين خطة الحكومة لترشيد الإنفاق والإجراءات التى أعلنت عنها مؤخرا؟
*سياسات التقشف المالي التى أعلنت عنها الحكومة مؤخرا قد تكون أحد الحلول التي تلجأ لها الدول للتعامل مع الخلل المالي الهيكلي وارتفاع معدلات الدين العام، والتي تستهدف كبح جماح الطلب الكلى من أجل الحد من معدلات التضخم، إلا أن " قد تاتي الرياح بما لا تشتهي السفن " حيث تمتد أثارها الانكماشية إلى الحد من الانتاج، وبالتالي تراجع المعروض من السلع،مما ينعكس علي مزيد من ارتفاع اسعارها.
وتتوقف نتائج سياسات التقشف علي الاقتصاد الكلي علي مجموعة من العوامل منها حالة الاقتصاد الكلي، وآليات التقشف المستخدمة وحجمه، ومدى شفافية سياسته، ومدي التفاعل بين السياسة النقدية والمالية.
**ولماذا تعد الشفافية فى تطبيق سياسة التقشف أمر أساسى حتى تؤتى ثمارها؟
*نعم سياسة التقشف الإقتصادي هي الشفافية التي ينبغي أن تظهر في الإجراءات التي تتخذها الحكومة لتطبيق هذا التقشف. هذا يعني أن الحكومة يجب أن تكشف عن كيفية التخطيط وتطبيق الإجراءات التي تخص التقشف الإقتصادي، بما في ذلك الأهداف التي تحاول تحقيقها والإجراءات التي ستتخذها، والأثر المتوقع على الاقتصاد والمجتمع. هذا يجعل الشعب قادر على التحليل والنقد الشامل للخطط الإقتصادية التي تتخذها الحكومة، ويمكنه التعبير عن رأيه بشأن الخطط الإقتصادية المختلفة
**وما هى آليات تطبيق التقشف وخفض الإنفاق فى رأيك؟
* سياسة التقشف المالي تعنى مجموعة من الإجراءات التي تتخذها الدولة للحد من خلل عجز الموازنة، ويكون ذلك من خلال آليات أحدها هو زيادة معدلات الضريبة، والآخر من خلال خفض الانفاق الحكومي، أو كلاهما معًا.
**كيف تشخصين معالم الأزمة المالية التي تتعرض لها مصر؟
تتمثل أهم معالم أزمة الاقتصاد الكلي والأزمة المالية التي تتعرض لها مصر في ارتفاع معدل التضخم،، ويعتبر معدل التضخم أحد أهم مؤشرات الأزمة المالية. ففي السنوات الأخيرة، والتي تزامنت مع انخفاض حاد في قيمة العملة وانخفاض الجنيه المصري أمام الدولار بمقدار 75% تقريبا، ارتفع معدل التضخم ليقترب من 22 في المائة أو يزيد,طبقا لتقاريرالجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري في بيان الثلاثاء (10 يناير 2023)"معدل التضخم السنوي بلغ 21,9 % في شهر ديسمبر 2022 مقابل 6,5 % في الشهر نفسه من العام السابق" 2021.
وأرجع جهاز التعبئة والإحصاء الزيادة في معدل التضخم إلى ارتفاع أسعار "الطعام والمشروبات" بنسبة 38 %.والتي تمثل سلعا ساسية بالإضافة إلى الارتفاع المتزايد لمعدلات التضخم الذى يعد واحدًا من أهم المشكلات الاقتصادية التي تؤثر في الأداء الاقتصادي للدول، حيث يؤدى إلى إضعاف القوة الشرائية للمستهلكين، وإعاقة الاستثمار التجاري، وارتفاع معدلات المخاطر والغموض مما يعوق الاستثمارات الأجنبية والمحلية، والأهم أنه يؤدي الي إعادة توزيع غير عادل للثروات مما يؤثر علي خفض معدلات العدالة الاجتماعية بشكل حاد.
وتلعب السياسة المالية دورًا محوريًا في الحد من معدلات التضخم، من خلال سياسات مالية ذات تأثيرات محفزة لإعادة الاستقرارمثل خفض الإنفاق الحكومي تؤدي الزيادة في الإنفاق الحكومي إلى زيادة الناتج القومي الإجمالي (GNP)، ومن ثم الطلب الكلى، ورفع العوائد الضريبية التى تؤدي إلى انخفاض الناتج القومي الإجمالي.
وفي حين تؤدي الزيادة المتوازنة في مستوى الميزانية، مع ارتفاع كل من المصروفات والضرائب بنفس المقدار، إلى تغيير مستوى الناتج القومي الإجمالي، مما يؤدي عادةً إلى زيادته، لذا فإن الميزانية المتوازنة يمكن أن تحفز النشاط الاقتصادي بشكل أفضل وأكثر استدامة.
**وماذا عن الاحتياطي النقدي ؟
الاحتياطي النقدي أقل بكثير من المطلوب سداده، حيث لايتجاوز 34 مليار دولار، من بينها 28 مليار دولار ودائع من دول الخليج العربية الحليفة.
وقد وافق صندوق النقد الدولي الشهر قبل الماضي، على منح مصر قرضا بقيمة ثلاثة مليارات دولار تسدد على 46 شهرا، فيما يبلغ عبء خدمة الدين الذي يتعين على مصرسداده خلال العام المالي 2022/2023 حوالي 49 مليار دولار، حسب بيانات الصندوق.
** هل ترين أن هناك سوء إدارة لأزمة الدين العام؟
*مصر تمر حاليا بمنعطف جديد لأزمة الدين الخارجي حيث زادت خلال الست سنوات السابقة بنسبة ٩١٪ وارتفعت من ٨٢ مليار دولار عام ٢٠١٧ الي ١٥٨ مليار دولار نهاية مارس ٢٠٢٢، بمعدل ارتفاع سنوي ٨,٢ ٪ بزيادة ١٣ مليار دولار عن العام السابق ويذكر أن ديون مصر الخارجية تضاعفت بأكثر من ثلاث مرات في السنوات العشر الأخيرة لتصل الى أكثر من 155 مليار دولار.
**ولماذا فشلت خطط الحكومة سابقا فى التقشف؟
*خطط الحكومة المصرية السابقة قد فشلت في التقشف لعدة أسباب، مثل الضعف في التخطيط والتنفيذ، والصعوبة في الحد من النفقات الحكومية، والصعوبة في الحد من التوسعات النقدية، وضعف الإيرادات الحكومية وعدم شفافية الإجراءات التي تتخذها الحكومة،.
وقد تؤدي سياسة ترشيد الإنفاق العام إلى العديد من التحديات الاقتصادية إذ تؤثر على الخدمات الأساسية التي يعتمد عليها المواطنون، وبالتالى زيادة الضغط على الاقتصاد المحلي،،مما يدفع الي بطء في النمو الاقتصادي يصل الي حالة من الركود التضخمي المصاحب لزيادة البطالة علي المدي الطويل، وكذلك زيادة الضغط على الأعمال الصغيرة..
ومع ذلك، يعتبر الخبراء ان سياسة التقشف الاقتصادي الجيدة يمكن أن يكون لها مردود إيجابي إذا تضمنت التحكم في النفقات الحكومية غير الضرورية لتحسين الميزانية العامة والتركيز على النفقات الضرورية في الميزانية العامة، مثل التعليم والصحة والأمن القومي، وتحسين الإدارة المالية للحكومة، مثل التشغيل الإداري الذكي والرقابة على الإنفاق الحكومي، ووضع سقف للديون الحكومية لتحسين الأداء المالي، والتركيز على الإنفاق الضروري لتشجيع النمو الاقتصادي
** وهل تختلف خطط التقشف من دولة لاخرى؟
*تجارب الدول النامية في سياسات خفض الإنفاق الحكومي قد تختلف من دولة إلى أخرى. ومع ذلك، يشير البعض إلى أن بعض الدول النامية كان لديها نجاح في التحكم في الإنفاق الحكومي، بينما كانت بعض الدول فاشلة في الوصول إلى هدفها في هذا الشأن. مثلا, الصين أظهرت تجربة في التحكم في الإنفاق الحكومي الذي قد نجح في الحد من الإزدياد المستمر في الدين الحكومي، وتجربة الصين في التحكم في الإنفاق الحكومي تشمل العديد من الملامح، بما في ذلك التركيز على التمويل الذاتي والمخصص للتطوير والنمو الاقتصادي، وكذلك التحديد الجيد لأولويات الإنفاق، مثل التطوير الاقتصادي، والتأهيل الشامل، والتغيير المناخي،
أيضا التحكم في الإنفاق الحكومي: تحديد الحد الأدنى والأعلى له، وكذلك التحكم في المخصص للشركات الحكومية منه والتشغيل الذكي له، مما يساهم في زيادة الشفافية والرقابة على هذا الإنفاق.
** وكيف تمثل السياسات التقشفية مخرجا آمنا للازمة الاقتصادية ؟
*هناك فعلا سياسات مقترحة لتكون السياسات التقشفية مخرج آمن ومنها اصلاح ضريبي تصاعدي يراعي التضخم الفئوي ونسب الفوارق الداخلية، ومحاولة استهداف الفئات الأعلى فى مستوى الدخل، خاصةً فيما يتعلق بضريبة القيمة المضافة، فعلى الرغم من أثر الضريبة السلبى على معدلات التضخم من خلال خفض معدلات الانفاق، إلا أنه يجب الحرص على عدم مساس السلع الأساسية، ورفع معدلات هذه الضريبة على السلع الترفيهية والكمالية.
ثانيا توجيه الايرادات الضريبية الجديدة للانفاق على نشاطات انتاجية تضمن زيادة معدلات الانتاج والتشغيل
ثالثا الحد من الانفاق الحكومى وتوجيهه إلى المجالات المحفزة للاستثمار، أو النشاطات الانتاجية لخلق أثر تعويضى عما يخلفه الانفاق الحكومى من أثار تضخمية
رابعا مزيد من الدعم والرقابة نحو تطبيق برامج الشمول المالي لدعم الجهاز المصرفي واستقرار سعر الصرف
خامسا توزيع عادل للاستثمار الرأسمالي بين القطاعات غير التجارية والتجارية بالشكل الذي يضمن ارتفاع المخرج الكلي المحلي
سادسا دعم الاستثمار في العنصر البشري من خلال دعم الانفاق العام الرشيد لقطاعات التعليم والتدريب والصحة، كأحد أولويات المرحلة للخروج الآمن
سابعا الاصلاح المؤسسي الإداري لخلق منظومة مؤسسية عامة تحافظ علي الأنشطة الاقتصادية القائمة وتدعم وتحفز الاستثمار المحلي والاجنبي بشكل متوازن عبر القطاعات وبشكل عادل جغرافيا نحو المناطق الجغرافية الأقل حظا تنمويا.
وأخيرا تحفيز الإنتاج الكلي ودعم زيادة الناتج الحقيقى وتحفيز النشاط الاقتصادي لقطاعات الانتاج السلعى كالزراعة والصناعة وتبنى الآليات التى تساعد على ذلك.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ “فيتو”