القطاع الخاص ليس شبهة!!
حتى كتابة هذه السطور هناك مسئولون يرفضون التعامل مع المستثمرين والقطاع الخاص ويعتبرون ذلك جريمة أو على الأقل شبهة يجب الابتعاد عنها، كذلك معظم سفراء مصر في الخارج يرفضون الترويج لمنتجات القطاع الخاص المصري كما يخشون التعامل مع المستثمرين والصناع والشركات المصرية ويعتبرون ذلك أيضا شبهة يجب تجنبها.
كما أن هناك وسائل إعلام ترفض التعامل مع المستثمرين والصناع ورجال الأعمال والمصدرين المصريين والشركات الخاصة وتعتبر ذلك شبهة يفضل الابتعاد عنها، أو على الأقل تكون مدفوعة الأجر، بل بعض القنوات الفضائية تطالبهم بدفع أموال مقابل الاستضافة للحديث على منتجاتهم، في حين نفس القنوات تدفع أموالا للمطربين والفنانين ولاعبي كرة القدم مقابل استضافتهم للحديث عن أمجادهم وإنجازاتهم الوهمية.
كل هذه مفاهيم يجب أن تتغير وكذلك نظرة المجتمع للقطاع الخاص لأنه ليس جريمة أو شبهة أو فاسد بل هو الأمل والحل، الفترة الماضية كانت هناك محاولات لشيطنة المستثمرين واعتقاد خاطئ لدى بعض المسئولين أن جميع رجال الأعمال فاسدون ويكسبون أموالهم من حرام وأساليب غير مشروعة، ثم ينفقونها على ملاذتهم وشهواتهم ولا يفرقون في ذلك بين رجال الصناعة والمستثمرين الجادين وهم كثيرون وبين النصابين وهم قليلون..
وساهم الإعلام وكذلك الفن في هذه النظرة السيئة وكانت ومازالت الدراما تُظهر دائما هذا الجانب السلبي وتصور المستثمرين إما تجار مخدرات أو سلاح أو أثار أو سارقي أراضي وبلطجية ومافيا استيراد، حتى أصبح القطاع الخاص المصري في نظر المواطن هو عنوان للفساد والانتهازية والسلب والنهب..
التنمية والقطاع الخاص
وحتى تُعالج الدولة هذا الخلل تحملت هي عبء القيام بكافة المشروعات حتى المقاولات والمناقصات والمزايدات والبيع والشراء، مما كان لذلك آثار سلبية كبيرة على الاقتصاد وانحسار دور القطاع الخاص في التنمية..
خلال فترة عملي في العديد من الوزارات شاهدت كل السفراء الأجانب بالقاهرة يروجون لفرص الاستثمار في بلادهم والحصول لشركاتهم على مشروعات وتسويق منتجاتهم، شاهدت هؤلاء السفراء وهم يتفاوضون مع الوزراء والمستثمرين المصريين وكأنهم ملاك هذه الشركات أو موظفين فيها أو يتقاضون منها أجورا، وهم ليسوا كذلك ولكنها طبيعة عملهم حاليا هي دعم اقتصادهم من خلال ترويج منتجات القطاع الخاص في بلادهم، وهذا أساس تقييمهم إما بالاقالة أو الاستمرار في مناصبهم.
لن أتحدث كثيرا عن خوف سفرائنا بالخارج من التعامل مع المستثمرين المصريين وعدم مساعدتهم أو دعهم وفتح لهم فرص تصديرية، لدي في ذلك قصص ونماذج كثيرة لا يستوعبها المقال فهذا واقع أتمنى أن يتغير لأن بلدنا في ظروف صعبة تحتاج أن يبذل الجميع قصارى جهده ويعمل المطلوب منه وأكثر، خاصة بعثات مصر في الخارج التي تكلف الدولة أموالًا طائلة بالعملة الأجنبية فيجب أن يكونوا أهم مصدر لجلب الدولار من خلال فتح أسواق للصادرات المصرية.
والمسئول القوى الوطني الشريف نظيف اليد يجب ألا يخاف من التعامل مع القطاع الخاص، كذلك السفراء والإعلام لأن القطاع الخاص شريك أساسي في التنمية ولا تقدم بدونه، بل هناك قطاعات مهمة كاملة في الدولة الذي يحملها على عاتقه هو القطاع الخاص مثل الزراعة، كما أن كل المشروعات الناجحة والصادرات الزراعية المصرية من القطاع الخاص سواء صغار المزارعين أو كبار المستثمرين الزراعيين، وأيضا معظم الصناعات التصديرية المتميزة هي إنتاج مصانع القطاع الخاص.
والدولة حاليا بقيادتها العليا تحاول دعمه، فالرئيس السيسي في سفرياته خارج البلاد احيانا يصطحب معه مستثمرين مصريين كما أنه يحرص دائما على لقاء رجال الأعمال والمستثمرين في الدول التي يزورها ويدعوهم للاستثمار في القاهرة..
وحينما يؤمن مسئولينا أن القطاع الخاص شريك أساسي في التنمية فسوف تنهض بلدنا ونواجه بقوة الأزمات الاقتصادية المتتالية، بل وتختفي قضايا الفساد والرشوة التي يضطر إليها المستثمر للحصول على حقه أو لقضاء مصالحه، وبالتالي نخفف الضغط على الرقابة الإدارية وغيرها من الأجهزة.
اختتم مقالي بشكوى نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي الدكتور إسماعيل عبد الجليل رئيس مركز بحوث الصحراء الأسبق حول معاناة نجله الذي يعمل في شركة دولية كبيرة وقرر فتح مقرا لها في القاهرة، تكلف 30 مليون جنيه، ولكنه يوجه صعوبة شديدة في استكمال الإجراءات رغم أن الدولة تبذل جهودا كبيرة لجذب مستثمرين أجانب، وتهيئة مناخ الاستثمار، ولكن من الواضح أن صغار الموظفين لهم رأي آخر ويعرقلون هذه الجهود ويتسببون في ضياع فرص كثيرة، وطرد مستثمرين إلى الدول المجاورة رغم أننا في أشد الحاجة إليهم، والله الموفق والمستعان.