ثمن الغربة.. قصة سقوط 16 ألف مصري في قبضة مافيا البحار وتجار الهجرة غير الشرعية
الغرب لم يعد كما كان، ليست أوروبا أرض الأحلام، ولا أهلها ملائكة ولا الأوضاع كما كانت من قبل، هكذا تقول قراءة الأحداث فى القارة العجوز، التى لم تعد مصباح علاء الدين لتحقيق حلم الثراء السريع والهروب من الأزمات الاقتصادية، لذلك كان الشباب يغامر ويرمى بنفسه فى عرض البحر أو فى قاع الصحراء، لكن الآن سيكون المصير هو الموت أو التشريد فى سبيل الغربة القاتلة التى وقع فى شباكها 16 ألف مصرى خلال السنوات الماضية.
بداية القصة
بداية القصة فى رصد تقارير أوروبية زيادة كبيرة فى عدد المهاجرين المصريين على الرغم من كثرة حوادث غرق سفن الهجرة غير الشرعية، التى تودى بحياة المئات من الأشخاص، إلا أن الشباب لم يتعظوا من ذلك، بل هناك العديد من الأهالى يشجعون أبناءهم على الهجرة غير الشرعية ويدعمونهم ويدبرون لهم الأموال ويلقون بهم فى أعماق البحر. ضج تقرير الاتحاد الأوروبى بالكثير من الحقائق المؤلمة، إذ كشف عن تزايد أعداد المصريين الذين دخلوا إلى دول الاتحاد عبر الهجرة غير الشرعية، خلال العام الماضى، ليقرع بذلك ناقوس الخطر من هذه الظاهرة التى تودى بحياة المئات من الشباب.
وأكد تقرير الاتحاد الأوروبى أن حوالى 16,413 مهاجر مصرى وصلوا شواطئ دول الاتحاد عبر قوارب هجرة غير شرعية انطلقت من المياه الليبية والتونسية، وذلك بعد نجاح الحكومة المصرية فى السيطرة على هذه الظاهرة من الحدود الداخلية.
وبحسب تقارير أوروبية، فإنه خلال الفترة ما بين 1 يناير إلى 28 أكتوبر عام 2022، وصل 16,413 مهاجرًا مصريا إلى سواحل إيطاليا، ما يجعلهم ثانى أكبر مجموعة بعد التونسيين، وفقًا لبيانات نشرتها وزارة الداخلية الإيطالية.
وأوضح تقرير المفوضية الأوروبية، أنه فى عام 2021، تم توقيف أكثر من 26500 مصرى على الحدود الليبية، كانوا فى طريقهم ليسلكوا طريق الهجرة غير الشرعية عبر المياه الليبية متجهين إلى أوروبا.
ضحايا الهجرة غير الشرعية
وسلطت الأعداد المتزايدة من المهاجرين الذين وصلوا للحدود الأوروبية الضوء على طريق وسط البحر الأبيض المتوسط، حيث وصل أكثر من 90 ألف مهاجر ولاجئ فى عام 2022 مغادرين بشكل أساسى من ليبيا وتونس من جنسيات مختلفة منها مصر وتونس، بزيادة تزيد على 50٪ مقارنة بعام 2021، ومعظم هؤلاء الوافدين وصلوا إلى الاتحاد الأوروبى بعد رحلات محفوفة بالمخاطر وعمليات بحث وإنقاذ فى البحر.
وأشارت التقارير إلى أنه منذ أواخر عام 2016، تباطأت الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا من الساحل الشمالى لمصر بشكل حاد، لكن دبلوماسيين يقولون إن هجرة المصريين عبر الحدود الصحراوية الطويلة التى تربط مصر مع ليبيا ومن ساحل البحر المتوسط الليبى إلى أوروبا آخذة فى التزايد.
وبحسب وثيقة صدرت عن مفوضية الاتحاد الأوروبى، فإن مصر حتى الآن عالجت مسألة الهجرة غير الشرعية، كما سيسعى البرنامج الذى انضمت مصر إليه لتطوير قدرة الحكومة المصرية والمجتمع المدنى إلى تطبيق «مقاربات قائمة على الحقوق وموجهة نحو الحماية الاجتماعية».
كما أكدت المفوضية الأوروبية على ضرورة تسريع تنفيذ خارطة طريق (EUAA-Egypt)، وهى الاتفاقية الموقعة بين مصر ووكالة الاتحاد الأوروبى للهجرة بشأن الدعم فيما يتعلق بالحماية الدولية لطالبى اللجوء والمهاجرين خلال عام 2023.
وتتخذ مصر خطوات ملموسة بهدف التصدى للهجرة غير الشرعية، ومؤخرا أقر مجلس النواب قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية لمعاقبة عصابات الإرهاب والاتجار فى الهجرة غير الشرعية ويضع عقوبات سجن مشدد وغرامة ضخمة لكل من يرتكب الجريمة أو حتى يشرع أو يتوسط فيها.
وتكون العقوبة السجن المشدد مــدة لا تقــل عن خمس سـنــوات، وغرامة لا تقل عن خمسمائة ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه، أو غرامة مساوية لقيمة ما عاد عليه من نفع أيهما أكبر.
حادث غرق مصريين فى سواحل اليونان
ومن ضمن مآسى عمليات الهجرة غير الشرعية، ما حدث فى نوفمبر الماضى عندما تم الإعلان عن غرق قارب أمام السواحل اليونانية كان من ضمن ركابه مصريين.
وتواصلت السفيرة سها جندى آنذاك مع سفير مصر باليونان السفير عمر عامر، لمعرفة مصير وعدد المصريين على متن القارب المنكوب والاطمئنان على الناجين وموقف جثامين المتوفين.
وأشارت وزيرة الهجرة إلى أن السفارة المصرية بأثينا أفادت أن القارب أبحر من مدينة أزمير التركية متجهًا إلى إيطاليا وعلى متنه 68 شخصًا من جنسيات مختلفة شملت مصريين وأفغان وإيرانيين وجنسيات أخرى غير معلومة، وأنقذت قوات خفر السواحل اليونانية 11 شخصًا فقط، منهم سبعة مصريين، وثلاثة أفغان واثنان من إيران.
ومن جانبه، قال رئيس الجالية المصرية فى باريس صالح فرهود، إن الهجرة غير الشرعية زادت خلال الأعوام الماضية، وذلك يرجع إلى «مافيا البحار» كما لقبهم، وهم أشخاص يتاجرون بأرواح البشر ويوهمون الشباب بحلم الثراء السريع ورحلة السفر الهادئة، إلا أن الحقيقة تكون عكس ذلك، لافتا إلى أن الشباب من عمر 12 سنة حتى 24 سنة الذين يشرعون فى الهجرة غير الشرعية يعانون أشد معاناة خلال هذه الرحلات.
وأوضح رئيس الجالية المصرية فى باريس أن نسبة بسيطة جدا من المهاجرين إلى أوروبا يحصلون على وظيفة، فيما يعانى أغلبهم الأمرَّين، ويضطرون إلى التسول فى الشوارع والنوم فى الميادين بجانب المشردين، ولا يستطيعون حتى تدبير قوت يومهم، ناصحا جميع الشباب المقبلين على هذه الرحلات المحفوفة بالمخاطر ألا يعرضوا أنفسهم للخطر.
وتابع فرهود قائلا: «لو أراد أحد أن يسافر لأوروبا، فالأوضاع لم تعد مثلما كانت سابقا، واليمين المتطرف -وهو تيار يعادى المهاجرين والهجرة غير الشرعية- يتصدى بقوة فى الآونة الأخيرة للمهاجرين»، مضيفا أن الاتحاد الأوروبى أيضًا يتصدى لهذه الظاهرة ويكافح من أجل التخلص منها.
وتابع فرهود: «الحياة لم تعد مثلما كانت، ونحن كمصريين موجودين بالفعل فى أوروبا منذ زمن بعيد ولدينا جنسيات، لم تعد حياتنا مثلما كانت، وجميعنا نعانى من الركود الاقتصادي»، داعيا جميع المقبلين على الهجرة إلى أوروبا للاستثمار فى أنفسهم بمصر لإيجاد حياة كريمة أفضل من تلك التى يطمحون فيها بالدول الأوروبية.
وأشاد فرهود بمحاولات وزيرة الهجرة السابقة نبيلة مكرم لوقف نزيف الدم فى البحر وتصديها لجرائم عديدة وقعت فى عبارات وسفن غير آدمية، مجددا تأكيده على عن الاستثمار فى مصر أفضل من دفع الأموال الطائلة من أجل السفر إلى أوروبا وإلقاء أنفسنا فى التهلكة وتعريض حياتنا للخطر.
وطالب رئيس الجالية المصرية فى باريس الحكومة المصرية بإصدار قانون يعاقب من يساعد هؤلاء الشباب فى الهجرة غير الشرعية بالإعدام فورا فى ميدان عام ومصادرة جميع أموالهم، مؤكدا أنهم منعدمو الوطنية والآدمية.
وحذر فرهود الشباب من مخاطر الهجرة غير الشرعية: «هتتعاملوا أسوأ معاملة، إحنا دلوقتى فى زمن الحروب والدول كلها دلوقت بتتصارع، ابدأ مشروع بالفلوس اللى أنت هتسافر بيها حتى لو هتبتدى بحاجة بسيطة جدا والناس هتساعدك وتدعمك فى مصر»، مضيفا: «مجموعة من الشباب اللى هيسافروا أو هيهاجروا يعملوا شركة مساهمة مع بعض ويجمعوا فلوسهم على فلوس بعض أحسن من السفر.. والمشروع هينمو ويكبر بيكم والدولة بتساعد ده، ابدؤوا مع وزارة الاستثمار».
بدوره، قال رئيس اتحاد المصريين فى أوروبا عصام عبد الصمد أن علينا فهم أسباب الهجرة غير الشرعية لنستطيع تحديد العلاج المناسب، مشيرا إلى أن ضعف الاقتصاد وضعف فرص العمل، والأجور الضعيفة والحالة الاجتماعية غير السوية، وارتفاع تكاليف الزواج، والتقليد الأعمى، والتلوث البيئى، والانفجار السكانى، وضعف الروابط الأسرية من أبرز الأسباب التى تدفع عدد من الشباب للهجرة غير الشرعية.
وأضاف عبد الصمد أن عمليات الهجرة غير الشرعية كان يتم أغلبها من شمال مصر، إذ يعبر المهاجر الصحراء الغربية ويدخل ليبيا ثم يتجه من هناك إلى إيطاليا، وهناك طريقة أخرى عبر الاتجاه للسودان، ومن ثم إلى ليبيا ثم السواحل الليبية ومنها إلى إيطاليا.
وأوضح أن مجموعة صغيرة كانت تهاجر عن طريق تركيا وتتجه من خلالها لأوروبا عن طريق ألبانيا واليونان وبلغاريا والبوسنة، فيما كان يسافر عدد آخر من أنقرة إلى إيطاليا مباشرة عبر البحر.
حادث غرق مركب رشيد دفع الدولة للتحرك بشكل عاجل.
وتابع: الهجرة كانت بتطلع من شواطئنا مباشرة إلى إيطاليا حتى عام ٢٠١٦ عندما اكتشف الأوروبيون أكثر من ١٥ ألف حالة وفاة فى البحر المتوسط، وبعد حادث مركب رشيد فى سبتمبر ٢٠١٦ اللى غرق فيها حوالى ٢٠٠ منهم نحو ٤٠ مصريا بدأت الدول تتحرك بقوة، وبدأ تعزيز الاتصالات بين دول أوروبا وبين مصر.
وذكر عبد الصمد: أوروبا أعطت لمصر مساعدات ٨٠ مليون يورو وبعدها نحو ٥٠ مليون يورو لضبط ومنع خروج المهاجرين عبر الشواطئ المصرية.
واستطرد: الحكومة المصرية حاربت ظاهرة الهجرة غير الشرعية من خلال تشريعات صارمة، وأصدرت قانون ٨٢ لعام ٢٠١٦ لتجريم كل أشكال تهريب المهاجرين، وأسست لجنة وطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، متمنيا تشديد العقوبات فى هذه القوانين أكثر من ذلك.
وتابع: إيطاليا حاليا تعيد أى مهاجر غير شرعى يتم القبض عليه إلى المكان الذى جاء منه، باستثناء الأطفال، ولكنهم يظلون داخل البلد الأوروبى دون متابعة أو إشراف ويواجهون أوضاعا سيئة للغاية.
بعدم اللجوء لهذا الإجراء غير النظامى، وفى السياق ذاته قال الخبير الأمني، اللواء رفعت عبد الحميد، إن الدولة المصرية بذلت جهودا كبيرة لمحاربة الهجرة غير الشرعية، مؤكدا أنها حققت نجاحا كبيرا فى ذلك.
جريمة الهجرة
وأوضح، أن الهجرة غير الشرعية تعتبر جريمة، لأنها تتم بطرق مخالفة للقانون المصرى، إذ إن المسافر يخرج بدون أى أوراق رسمية أو مستندات سفر، وذلك على عكس الهجرة القانونية عبر المطارات أو المنافذ البحرية بطريقة شرعية وتتوافق مع لوائح القانون.
وذكر اللواء رفعت عبد الحميد، أن المشرع الجنائى المصرى انتبه لجريمة الهجرة غير الشرعية ومخاطرها منذ 15 عاما، وذلك فى محاولة لإيقافها ومنعها.
ونوه رفعت إلى أن الأجهزة الأمنية تبذل جهدا كبيرا فى مكافحة الهجرة غير الشرعية، من خلال الحملات الأمنية التى تشنها على أماكن تواجد العناصر التى تروج لهذه الأعمال سواء من خلال مواقع الإنترنت أو على الأرض، ناهيك بتمشيط المسطحات المائية فى الأماكن الساحلية فى مدن الإسكندرية والقناة ودمياط، لأن أعمال الهجرة تكثر فى المناطق الساحلية.
الحدود المصرية الليبية يستحيل تأمينها
واستطرد، أن الدولة بجميع أجهزتها المعنية تبذل جهودا كبيرة لتوعية الشباب والأسر من مخاطر الهجرة غير الشرعية والأهوال التى يتعرضون لها، وذلك من خلال البرامج التلفزيونية والدرامية، ناهيك بالندوات التى تعقد فى المناطق التى تكثر بها هذه الظاهرة.
وقال الخبير الأمني: «إن هناك عمليات هروب عبر الحدود الغربية مع ليبيا والتى يستخدمها المهاجرون للهروب إلى دول أوروبا، وذلك نظرا لاتساع هذه الحدود مما يجعل من المستحيل تأمينها بشكل كامل على الأرض، لكن يتم متابعتها جويا».
وأوضح اللواء رفعت عبد الحميد، أنه على الرغم من ارتفاع تكلفة المراقبة الجوية إلا أنها أثبتت فعاليتها، حيث إنها قلصت عمليات الهجرة غير الشرعية بنسبة 90% عبر الحدود البرية.
وتابع عبد الحميد: «إنه بفضل التحريات القوية التى تجريها الأجهزة الأمنية فى مصر لضبط تجار الهجرة غير الشرعية، ناهيك بالتشريعات الرادعة، كل ذلك أسهم فى انخفاض معدلات الهجرة غير الشرعية عبر الحدود المصرية»
نقلًا عن العدد الورقي…،