بوصلة إعلامنا إلى أين؟!
ماذا جرى للإعلام.. ومن السبب في تدهور أحواله حتى بات متهمًا بجرجرة المجتمع للقاع وتخويفه من المستقبل وتصوير شعبنا بأنه ملتاع على أكله وشربه.. بدلًا من دفعه للعمل والإنتاج والتنمية.. وبث التفاؤل في روحه؟!
الرئيس عاتب على الإعلام ومعه حق؛ فقد بات الإعلام في وادٍ، والمواطن وهمومه ولا أقول أحلامه في وادٍ آخر تمامًا..
فحين تخرج علينا كل ليلة حناجر سب وشتم وردح.. أو نسخ مكررة تقول الشيء نفسه وتصرعلى توصيل الرسالة نفسها ربما بألفاظ واحدة سواء عبر الصحف أو الفضائيات.. فهل احترمت بذلك عقل المتلقي بتلك النغمة الواحدة.. وحين يخرج علينا في ظل ظروف اقتصادية بالغة الصعوبة مذيع أكول لا يتورع عن استفزاز مشاعر الفقراء وما أكثرهم في زماننا، ويصرعلى تقديم فقرة "مطبخ" في برنامجه لا يفعل فيها إلا التهام ما لذ وطاب من الطعام غير عابيء بمعاناة الناس في الحصول على ما يسد جوعهم في ظل غلاء كاسح..
فما هي الرسالة التي يريد الإعلام أن يقدمها.. وما الفائدة التي يجنيها الناس منها سوى إثارة مزيد من الغضب والسخط الشعبي.. ألهذا الحد غابت الرؤية وتاهت البوصلة وتلاشى الإحساس بالناس؟!
الإعلام والسوشيال ميديا
يا سادة.. في النهاية لا يقنع إلا المقنع.. ولن يصدق الناس إلا ما يعتقدون أنه حقيقة تصدر عمن يرونه صادقًا مع نفسه متسقًا مع متاعب وهموم من يخاطبهم وليس من يقول الشيء وعكسه في مرات مختلفة أو ربما في حلقة واحدة من برنامجه.. وهو ما يقدم مادة خصبة لبرامج التوك شو الساخرة لتطعن في مصداقية هؤلاء ومن ثم تذهب بمصداقية المنظومة برمتها.. فمتى يتوقف مثل هذا العبث؟!
الإعلام متهم بأنه إما غارق في التفاهة والإلهاء والجرى وراء التريند حتى ولو كان مكذوبًا.. وإما متخلف عن أولويات الوقت لا يسعف المواطن بالمعلومة الصادقة والتحليل الموضوعي والمتابعة المستمرة لنبض الشارع وأداء دورها في التوعية الراشدة بما ينفع البلاد والعباد.
الإعلام تخلف عن الركب حتى أكلته السوشيال ميديا وهضمته وابتلعت أدواره.. وسحبت بساط التأثير من تحت أقدامه.. الهيمنة انتقلت للإعلام الرقمي.. وهكذا تغيرت خريطة التأثير واختلت موازين القوى.. لماذا.. لأن السوشيال ميديا على قوة تأثيرها لا تدقق.. لا توثق.. لا تستقي معلوماتها من مصادر موثوقة؛ ومن ثم تبني وعيًا زائفًا أو هشًا في أحسن الأحوال.
السوشيال ميديا أرض خصبة للشائعات الموجهة لعقل المواطن؛ تزعزع إيمانه بدولته تشتت فكره تزرع اليأس في وجدانه.. تجعله في حيرة من أمره.. ساخطًا ناقمًا على أوضاعه!
اليوم تغيرت الدنيا؛ فالمواطن بات يصنع إعلامه بنفسه ويختار من يفضله من صناع المحتوى في الفضاء الإلكتروني الذي لم نقدره حق قدره.. فالمتلقي لم يعد يلتفت للمؤثرين القدامى التقليديين من الإعلاميين.. وأتفق مع من يقول إنه أضرب عن متابعة الإعلام الرسمي الذي ترجع تأثيره حتى بات في طريقه للإنعاش.. سلطان الراديو والصحف والتليفزيون انتقل إلى "ماوس" الكمبيوتر والفضاء الإلكتروني وأضحي لكل مواطن وسائله ومكتبته السمعبصرية..
نحن بحاجة الى رؤية جديدة تماما في صناعة وقيادة وتوجيه الرأي العام.. في زمن اليوتيوبرز وصناع المحتوى على فيس بوك وتوك وتوك وإنستجرام الذي يبلغ متابعيهم ملايين لا يستطيع الإعلام التقليدي جذبهم والتأثير فيهم.. فهل نصحو قبل فوات الأوان؟!