رئيس التحرير
عصام كامل

قبل ساعات من لقاء الأهلي والزمالك.. نصيحة إلى الجمهور!

قبل المباريات المهمة -وعلى رأسها مباريات الأهلي والزمالك- اعتاد النقاد والخبراء والنجوم  القدامى أن ينصحوا اللاعبين والأجهزة الفنية، أما أنا فقد اخترت أن أنصح جمهور الأهلي والزمالك اليوم وقبل ساعات من لقاء الناديين الكبيرين مساء اليوم في القمة 125. ولأنني أعلم أن النصيحة ثقيلة فسوف أؤجلها إلى نهاية المقال حتى لا يكون المقال ثقيلا من أوله.

في بداية التسعينيات ذهبت إلى استاد القاهرة لتغطية أحد لقاءات القمة بين الأهلي والزمالك. كنت مكلفا بالحصول على تصريحات من لاعبي الفريقين بعد انتهاء المباراة.. عقب صافرة الحكم انتقلت بسرعة شديدة من المكان المخصص للإعلاميين إلى المكان الذي سيخرج منه اللاعبون.

كان الأهلي قد فاز في المباراة بهدف واحد فكان من السهل الحصول على تصريحات من لاعبيه، وكان الزمالك قد خسر المباراة رغم أنه قدم عرضا جيدا فرفض لاعبوه الكلام بسبب الهزيمة.. بعد أن حصلت على التصريحات المطلوبة، لاحظت حالة من الحزن على وجوه لاعبي الزمالك ولكنه الحزن الطبيعي يتناسب مع خسارة مباراة وليس بالدرجة المبالغ فيها والتي كانت عليها جماهير الزمالك.

غضب جمهور الزمالك

خرج لاعبو الزمالك فوجدوا بعض  جماهير الزمالك الحزينة والغاضبة في انتظارهم. أسمعت جماهير الزمالك اللاعبين  لوما وتأنيبا وتقريعا وهجوما، ثم مضت في حال سبيلها.. واحد فقط من الجماهير الحزينة رفض أن يغادر.. لا أزال أتذكر منظره المؤلم إلى الآن. كان نحيلا قصيرا ضعيفا يبدو عليه أنه لم يذق طعم النوم منذ يومين لتفكيره في المباراة وقلقه الشديد على نتيجتها.

 

اعترض الرجل طريق اللاعبين وبدأ في توجيه عبارات اللوم والتأنيب لهم والهجوم الشديد عليهم.. لثوان معدودة، تحمل اللاعبون الرجل مقدرين حالة الحزن الشديد التي يعاني منها وانتظروا في أدب شديد وحزن ظاهر حتى يفسح لهم الطريق، إلا أنه ظل يصرخ ويبكي ويكاد يسقط مغشيا عليه من حدة الانفعال.

واصل الرجل اعتراض طريق اللاعبين الذين حزنوا لحزنه أولا ثم استغربوا انفعاله الشديد ثانيا ثم بدأوا يتبادلون النظرات متعجبين من حزن الرجل إلى هذه الدرجة وكأن لسان حالهم (يعني هو زعلان على الزمالك أكثر منا).

 

استمر الرجل على انفعاله، فبدأ اللاعبون يتهامسون ثم تحولت همساتهم إلى استغراب ثم ضيق  ثم وضع اللاعبون أيديهم على وجوههم حتى لايراهم الجمهور وهم يتعجبون من حالة الرجل المبالغ فيها.. بصراحة كان انفعال الرجل بهذه الصورة المبالغ فيها يدعو إلى التعجب والاستغراب بقدر ما يستدعي  الألم والحزن والتفكير.

 

تألمت لحال الرجل وتألم الصحفيون الذين شاهدوا منظر الرجل متعجبين من حزنه الشديد.. للحظة، فكرت أن أجري حوارا مع الرجل، لمحاولة تشريح هذه الحالة من الحزن الشديد اجتماعيا ونفسيا، ولكن وقتي والإجهاد الذي كان عليه الرجل لم يسمح بإجراء بأي حوار.

 

مثال آخر، زرت نادي الزمالك في الثمانينيات، وفي اليوم التالي لخروج مصر من تصفيات كأس العالم بعد تعادل سلبي مع المغرب في استاد القاهرة.. طوال الطريق من المنوفية إلى القاهرة كانت مصر كلها يعتصرها الحزن: وجوه الناس، عناوين الصحف، زجاج السيارات، مناقشات الأتوبيس والميكروباص، فناجين القهوة وأكواب الشاي وحكايات المقاهي وثرثرة الصالونات.  

 

دخلت نادي الزمالك، ففوجئت أن لاعبا كان مشاركا في المباراة يتناقش مع لاعب آخر لم يكن مشاركا في المباراة عن ظروف اللقاء، ولكن ليس بهذه الدرجة من الحزن التي كانت عليها مصر كلها التي كانت تتكلم عن كارثة ومهزلة ونهاية العالم إلى آخر المبالغات التي اعتدنا عليها بعد كل هزيمة.

 

بعد أيام ذهبت إلى نادي الترسانة فوجدت أحد اللاعبين الذين شاركوا  في المباراة على حساب نجم كبير بعد أن تألق في المباريات الودية يتناقش بشكل عادي مع أحد زملائه عن المباراة وفي موضوعات مختلفة. حدث مثل هذا عندما زرت النادي الأهلي بعد هزيمة غير متوقعة في مباراة مهمة. وهنا يأتي دور النصيحة والمعنى الذي أريد أن أنقله إلى جمهور الناديين الكبيرين.

نصيحة للجمهور

أقول لجمهور الفريق الفائز لا تبالغ في الفرح فهي مباراة مهمة.. نعم.. تؤثر في موقع الفريقين في جدول الدوري.. نعم.. ولكن لا تبالغ في الفرح لأنها في النهاية مباراة كرة قدم.

وعلى جمهور الفريق الخاسر ألا يبالغ في الحزن لأن اللاعبين أنفسهم لايحزنون  بهذه الدرجة، والسبب ببساطة أن اللاعب يشعر أنه لم يقصر في المباراة ولم يدخر جهدا في الملعب وأدى كل منهم ما عليه ولكن التوفيق لم يحالفه.

 

فماذا يفعل لاعب سدد الكرة بكل قوة فارتطمت بالقائم وآخر مد قدمه على امتدادها ليمنع كرة خطيرة فذهبت إلى منافس فسجل هدفا، ولهذا فلا معنى  للمبالغة في الحزن بهذه الدرجة التي يشعر بها الجمهور في المدرجات وأمام التلفزيون.

وليتتذكر الجمهور -في حالة الفوز أو الخسارة ومن باب أولى التعادل- ما قاله يورجن كلوب مدرب ليفربول الشهير بعد أن فاز بدوري أبطال أوروبا (كرة القدم هي أهم الأشياء الأقل أهمية في الحياة)!

الجريدة الرسمية