رئيس التحرير
عصام كامل

رمضان صبحي.. أول الطموح وآخره!

ليست هي المرة الأولى التي يقسو فيها الجمهور على رمضان صبحي نجم الأهلي السابق ونجم بيراميدز الحالي وبالتأكيد لن تكون الأخيرة. 

ففي اللقاء الذي جمع الأهلي وبيراميدز في الأسبوع الماضي، تفرغ جمهور الأهلي للهجوم على رمضان صبحي وهو الهجوم الذي يتكرر بصورة منتظمة منذ أن فضل رمضان صبحي عرض بيراميدز على عرض الأهلي.

ما أزعج جمهور الأهلي من رمضان صبحي هو أن انتقاله كان إلى بيراميدز تحديدا وما أزعجه أكثر أنه كان يرى أن رمضان صبحي هو  النموذج المثالي لابن النادي وما أزعجه أكثر وأكثر أن رمضان عندما أراد أن يبرر رحيله إلى بيراميدز أغفل تماما ارتفاع الجانب المادي لعرض بيراميدز عن عرض الأهلي وقال إنه انتقل بحثا عن طموح جديد.

جمهور الأهلي لم يتقبل أن يترك رمضان صبحي أهلي الطموحات والبطولات والمجد وأهم ناد في أفريقيا بحثا عن طموح جديد. كانت هذه الكلمة هي أول الطموح وآخره فمن لحظتها لم يجد رمضان صبحي الطموح الجديد الذي يبحث عنه ومن لحظتها لم يسامحه جمهور الأهلي على هذه الكلمة.

أنا شخصيا أرى أن رمضان صبحي أخطأ بترك الأهلي ولكنني أرى -في الوقت نفسه- أن من حق كل إنسان أن يختار قراره وأن من الظلم أن نحاسب -مدى الحياة- شابا على ما نراه نحن خطأ من وجهة نظرنا وأن نهاجمه على قرار يعرف هو أكثر منا أسبابه وملابساته أو أن نقيم تصرفا حدث في الوقت الحالي بمعايير مرحلة سابقة وزمن مضى.

فبين عام  ١٩٧٠م، حين باع حسن الشاذلي نجم الكرة الشهير سيارته الصغيرة ليحل أزمة كبيرة يمر بها نادي الترسانة إلى عام ٢٠٢٠م، حيث انتقل رمضان صبحي إلى  بيراميدز الذي عرض عليه، طبقا لما ورد من أخبار، مبلغا أكبر مما عرضه الأهلي، جرت في النهر مياه كثيرة.

تبدلت أحوال وتغيرت قيم وتصاعدت رغبات اللحاق بقطار الثراء السريع وسعى كثير من الناس إلى تحقيق أكبر ربح مادي بأقل جهد ممكن وأصبح للمادة دور كبير  في تحديد قدر الإنسان والإشارة إلى موقعه ومكانته. تحول المثال -عند بعض الناس- من القيمة إلى المال وتبدل النموذج من العلم إلى الكسب واتجه المثل من أعلام الفكر والأدب والثقافة إلى كل من يمتلك المال.

الاحتراف أم الولاء والانتماء

رفع، بعض الناس، شعار الغاية تبرر الوسيلة وتبنى آخرون مبدأ (اللي تغلب به العب به) وتحول الرياء إلى ذكاء والتسامح إلى ضعف والوفاء إلى عجز والبساطة إلى قلة حيلة. حتى في كرة القدم تحول إدعاء الإصابة إلى استهلاك وقت وإعاقة الخصم  إلى فاول تكتيكي وإدعاء السقوط إلى مكر كروي وإصابة الخصوم إلى شجاعة ودفاع عن ألوان الفريق.

حسن الشاذلي، حين باع سيارته لإنقاذ ناديه كان يتصرف من وحي السائد في وقته وإذا كان قد خسر أموالا فقد كسب تقديرا واحتراما  إلى أن توفاه الله قبل سنوات قليلة.

حسن الشاذلي، حين فعل ذلك، كان يسكن -وزملاؤه ورئيس ناديه- في شقق متشابهة ويمشون في شوارع متشابهة ويدخلون دور سينما متشابهة ويرتدون ملابس متشابهة ويأكلون طعاما متشابها ويعلمون أولادهم في مدارس متشابهة ويذهبون إلى النادي بسيارات متشابهة وربما يذهب بعضهم على قدميه أو في مواصلات عامة.

بينما رمضان صبحي، يرى أن من حقه أن  يسكن في نفس الكمبوند الذي يعيش فيه زملاؤه الأقدم منه ومن يطلب منه التضحية من أجل النادي وتخفيض المقابل المادي الذي يحصل عليه.

الدراما لعبت هي الأخرى دورا في شيوع النموذج المادي، فقد اختفى الكتاب الكبار الذين كانت مسلسلاتهم تعلي قيم الحق والخير والجمال وحل من بعدهم كتاب ركزوا على تجسيد نماذج عن التحايل والخداع والفهلوة ولم يفتحوا طاقة أمل للناس رغم ما يتحقق في بلادنا من إنجازات.

رمضان صبحي ربما يكون قد أخطأ ولكن رمضان صبحي حائر لأنه يرى أن  بعض من يطالبونه بالقناعة والتضحية من الجماهير لا يفعلون ذلك إذا تعلق الأمر بمصالحهم الخاصة، كما أنه حائر لأنه يرى  قيما مادية تسود ويريد أن يلحق بها وينعم بامتيازاتها قبل أن ينتهي مشواره الكروي.  
  
لاتحاسبوا رمضان بقيم زمن مضى وتتصرفوا أمام عينيه بقيم زمن حالي تقول إن الأموال مهمة وأنها وسيلة تحقيق الأهداف بأقصر الطرق.. إرسوا على بر: الاحتراف والعرض والطلب وقوى السوق أم  الولاء والانتماء و(النادي اللي رباك وكبرك ووقفك على رجليك)، أم هو الاحتراف حين تشترون اللاعب والولاء والانتماء حين يفضل اللاعب غيركم عليكم.
  

  

أعرف جيدا أن هناك أشياء لا تشترى وأدرك تماما المكانة الكبيرة التي تضع فيها الجماهير النجم الذي ضحى بعد اعتزاله، وأنا بحكم تكويني وعمري وتجربتي، أميل إلى هذه النوعية من اللاعبين التي تفضل القيمة على المادة.. ولكني أحلل موقف رمضان صبحي وأرى أنه اختار وعليه أن يتحمل نتائج اختياره والجمهور أيضا من حقه أن يفاضل بين المواقف ويختار من يمنحه حبه وهذا أيضا من أبسط  حقوقه.

الجريدة الرسمية