بالأرقام.. الطلاق أخطر وباء اجتماعي يواجه الوطن العربي.. والإفتاء تكشف سر ارتفاع معدل الانفصال الزوجي
ارتفاع معدلات الطلاق هو كارثة العصر، ويعد أحد أخطر الملفات التى أقحُمت بشكل مفاجئ على المجتمعات العربية والإسلامية وأسفر ذلك عن تفكك الأسر بصورة مرعبة وغير مسبوقة، ما استلزم من دار الإفتاء المصرية العمل على تحجيم الأزمة ووضع أطر علمية للحد منها.
وحصلت «فيتو» على دراسة دار الإفتاء التي اعتمدت على تحليل 1200 فتوى خاصة بالطلاق فى العالم العربى خلال عام 2022 بجهود شاقة من المؤشر العالمى للفتوى التابع لدار الإفتاء، وكشفت الدراسة عن أرقام صادمة من خلال البحث عن أسباب ارتفاع معدلات الطلاق فى المجتمعات العربية وليس المجتمع المصرى فقط.
أسباب الطلاق
وتوضح الدراسة فى البداية أن تساؤلات المستفتين والإجابة عنها أظهرت أن أسباب الطلاق تمحورت حول عوامل ثلاثة: الأول: هو العامل الاقتصادي وجاء بنسبة (43%)، وأبرز أمثلته الواردة فى الفتاوى: ارتفاع أعباء وتكاليف الزواج من الطرفين منذ البداية، وكذلك بطالة الزوج وعدم عمله، وأخيرا إنفاق الزوجة على منزل الزوجية من ذمتها المالية الخاصة.
أما العامل الثانى فكان اجتماعيًّا وأُسريًّا، وجاء بنسبة (37%)، وأبرز أمثلته فى عينة الفتاوى المذكورة، تدخُّل الأهل فى حياة الزوجين أو أحدهما، والزواج المبكر، وإدمان المخدرات، والعنف الجسدى أو اللفظى بين الطرفين، والحملات الاجتماعية من جانب المؤسسات النسوية لتعزيز حقوق المرأة.
وتمثل العامل الثالث في فتاوى الطلاق من خلال تحليل عينة الفتاوى، والذى جاء بنسبة (20%)، كان خاصًّا بالوسائل التكنولوجية، وأهم أمثلته إدمان الإنترنت من جانب أحد الزوجين أو كليهما؛ مما يؤدى بدوره للعُزلة الأسرية؛ ومن ثَمّ الخيانة الزوجية فالطلاق.
وأشارت الدراسة التى قام بها مؤشر الفتوى إلى أن (60%) من فتاوى الطلاق عربيًّا صدرت من مؤسسات وهيئات إفتائية رسمية، ولكن (40%) منها صدرت من دعاة غير رسميين ومواقع فتاوى، سواء كانت مواقع إلكترونية أو عبر مواقع التواصل الاجتماعى.
ولفت المؤشر إلى أن (58%) من المستفتين فى فتاوى الطلاق “رجال” و(25%) من النساء، فيما صدرت فتاوى بنسبة (17%) بدون مستفتٍ أو بمبادرة من المؤسسة الإفتائية أو الدعاة والشيوخ المفتين.
فتاوي الطلاق
وعن نسب اعتدال وتشدد أو تساهل فتاوى الطلاق خلال عام 2022؛ أوضحت الدراسة أن (70%) من إجمالى فتاوى العينة اتسمت بالاعتدال من الناحية الشرعية، وراعت القواعد الفقهية المعتبرة فى هذا الباب، فى حين جاءت (26%) منها متشددة من عدة جوانب؛ كان أهمها إجابة المستفتين مباشرة دون حضورهم أو مواجهتهم بكل جوانب المسألة، أو عدم خضوع الفتوى ذاتها لمراحل إفتائية تراعى كافة الأطراف، فى حين جاءت نسبة الفتاوى المتساهلة فى هذا الجانب (4%).
وأما عن المنهجية الإفتائية المتبعة فى فتاوى الطلاق بين المؤسسات الرسمية العربية وفتاوى الدعاة غير الرسميين على مواقعهم الشخصية أو عبر السوشيال ميديا، أوضح مؤشر الفتوى أن غالبية الهيئات الإفتائية الرسمية تتبع طريقة منظمة ومنضبطة تمر بثلاث مراحل؛ حيث تبدأ بتعامل أمين الفتوى معها، فإذا لم يتيسَّر الحل له بوجود شكٍّ فى وقوعه تُحال إلى لجنة مختصة مكونة من ثلاثة علماء.
وإذا كانت هناك شبهة فى وقوع الطلاق، تحال إلى أعلى رتبة إفتائية فى المؤسسة، وقد يستضيف أطراف واقعة الطلاق للتأكد من وقوعه أو لإيجاد حل من باب المحافظة على الأسرة التي هي نواة المجتمع، حيث اتضح أن المؤسسات الإفتائية الرسمية لا تجيب عن أى فتوى إلكترونية خاصة بالطلاق، وتحيلها إلى الحضور فى الدار أو الاتصال الهاتفى.
كما أنها تجيب عن الزوج فقط فى الطلاق لأنه المالك له وتحقق معه ولا تجيب الزوجة بل تلزمها بحضور الزوج، هذا فضلا عن أنها تسأل فى لفظ الطلاق، هل وقع باللفظ الصريح فيحقق فى إدراكه وإملاكه، وأن وقع بالكناية فيسأل عن نيته حينئذ.
وأما فتاوى الطلاق الصادرة من الدعاة المستقلين أو مواقع الفتوى غير الرسمية، فوجد فيها بعض أوجه القصور والخلل، منها أنها تجيب عن أى فتوى إلكترونية دون التحقيق مع مستفتيها وتحقّق وقوع الطلاق فيها، وتضع الفتوى عند التشكك فى شيء باختيار المستفتى بين الشيئين.
كما أن تصدر فتاوى الطلاق بناءً على طلب الرجال والنساء وحتى أقارب الزوجين، وهذا نوع من التساهل فى الفتوى بالإضافة إلى أنها تعرض الفتاوى الإلكترونية الخاصة بالأشخاص وتعيد نشرها للعوام كل فترة، ويتم إيقاع الطلاق دون النظر إلى نية المستفتى وهو الزوج هنا وكشف حالاته من كل الجوانب.
وحذرت الدراسة من ارتفاع نسب الطلاق فى الدول العربية خلال هذا العام، حيث أكدت أن فتوى الطلاق تُعد أمانة فى عنق المفتى، فلا بد أن يكون عالمًا بكل أحكام الطلاق، وعدد مرات الطلاق، والطلاق الرجعى والبائن بنوعَيه، وطلاق الصريح وطلاق الكناية وطلاق المنجز وطلاق المعلق وطلاق الغضبان، والفرق بينه وبين الظهار والخلع، وغير ذلك من أحكام الطلاق؛ فكل نوع من هذه الأمور له شروط وضوابط، فيجب على الذى يُفتى فى فتاوى الطلاق السماع لكلا الزوجين حتى تخرج الفتوى منضبطة من الناحية الشرعية ومؤسسة للاستقرار الأسرى والمجتمعى.
توصيات للحل
وقدمت الدراسة التى حصلت «فيتو» على نسخة منها توصيات من خلال رصد وتحليل عينة الفتاوى المذكورة، ومبادرات من جانب بعض المؤسسات الرسمية التى هدفت لمواجهة ظاهرة الطلاق، كان أهم تلك التوصيات والمبادرات أولها مواجهة تدهور الأوضاع الاقتصادية التى كانت فى غالب الأحيان سببًا للطلاق، من خلال تقديم الدول المنح المالية للمتزوجين، وتسهيلات السكن وعقود الأراضى، ما يحقق الاستقرار الزوجى ويقلل العبء المادى عن الأسرة.
كما أشارت إلى أهمية الدعم العربى والإسلامى والعالمى المادى والمعنوى للدول المتضررة سياسيًّا والتى تعانى من ارتفاع معدلات الطلاق نتيجة للنزوح أو تدهور الأوضاع الاقتصادية، بالإضافة إلى فرض دورات علمية شرعية دينية، ولا يتم عقد القران حتى اجتياز الدورة التى تبين حقوق الزوجين وواجباتهم، وحملات للكشف عن إدمان المخدرات والتى أثرت على الأزواج المتعاطين لهذه المواد وكانت أحد أهم الأسباب التى أدت إلى التفرقة بين العديد من الأزواج.
أشارت الدراسة أيضًا إلى أهمية التوعية بشأن العلاقات غير الشرعية التى يقيمها أحد الزوجين مع أطراف أخرى من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، باعتبارها تمثل أهم أسباب الإشكاليات الزوجية، وضبط وتيرة الدعوات النسوية وتمكين المرأة بصورة غير منضبطة فى ظل قوانين الأحوال الشخصية الحالية لبعض الدول، والتى تسهّل الطلاق بجانب التعسف فى حقوق الرجل والزوج، بالإضافة إلى إعادة تشكيل وصياغة ثقافة المجتمع تجاه مسألة الزواج، مع دراسة أسباب (الطلاق المبكر) فى أكثر من دولة، وسن التشريعات الصارمة للحد من زواج القاصرات والذى يعتبر سببًا أساسيًا من أسباب انتشار الطلاق فى سن صغير.
زواج الناشئين
وطالبت الدراسة بوضع برامج توعوية تدريبية لزواج الناشئين لتوضيح فلسفة الزواج، وشرح أساس الشراكة والحكمة، ومعرفة الهدف من الزواج، وهى الأمور التى قطعت فيها دار الإفتاء شوطًا كبيرًا، ومنها: برنامج المقبلين على الزواج: وهو برنامج يهدف إلى تدريب عدد من المقبلين على الزواج وإرشادهم وتأهيلهم لمهارات الحياة الزوجية وكيفية التعامل مع المشكلات والضغوط الحياتية التى يواجهها الزوجان.
كما أشارت إلى أهمية تدشين وحدة الإرشاد الأسرى: وهى خدمة متخصصة فى حل المشكلات بين أفراد الأسرة الواحدة وخاصة مشكلة الطلاق وتعمل على الحد من المشكلات الزوجية والاستقرار الأسري وتوعية الشباب غير المتزوج ومساعدتهم على الاختيارات المناسبة وكيفية الارتباط للزواج وإقامة أسرة ناجحة.
نقلًا عن العدد الورقي…،