المصريون فى 2023.. محدودو الدخل فى قبضة الغلاء.. وهذه روشتة تحقيق الأمن الغذائي
يستقبل المصريون عامًا جديدًا فى ترقب وحذر، والكثير من فئات الشعب المصري تضع أياديها على قلوبها خوفًا من المستقبل في ظل تراجع قيمة الجنيه المصرى فى مقابل ارتفاع الدولار مما يضاعف هموم المصريين.
موجات الغلاء لا ترحم و تمضى بوتيرة متسارعة، فأسعار السلع الإستراتيجية والأساسية تخاصم المنطق وتضرب موعدًا كل يوم مع اللامنطق، بدءًا من رغيف الخبز وحتى ثمن الدواء، والأمور تبدو صعبةو مخيفة. فى المقابل لا تقف حكومة الدكتور مصطفى مدبولى صامتة مستكينة مستسلمة، ولكنها تحاول قدر إمكانياتها أن تجابه وتواجه هذا الشبح المفزع. ربما تبدو المسؤولية أكبر من الحكومة.
ربما تبدو المجموعة الاقتصادية مرتبكة غير قادرة على اتخاذ قرارات إيجابية تصب فى خدمة الفقراء
المبادرات الرئاسية تقف حائط صد لحماية الفقراء والمعدمين، ولولاها لزادت رقعة الفقر.. وهنا يطرح هذا السؤال نفسه: كيف يواجه المصريون العام الجديد؟ وفى هذا الملف تسعى «فيتو» لوضع إجابات منطقية على هذا السؤال غير العبثي، بعيدًا عن التهوين أو التهويل، بعيدًا عن الإثارة أو التعمية على الحقيقة.
محدودو الدخل
يدخل محدودو الدخل العام الجديد وهم فى حالة من القلق والخوف؛ بسبب جنون الأسعار الذي لا يرحم، والذي يجتاح كل السلع والخدمات دون وعي، فماذا عساهم أن يفعلوا، وماذا يجب على الحكومة أن تفعل؟
الخبير الاقتصادي علاء عبد الحليم يقول: لا أحد لديه «بالونة سحرية» لمعرفة تاريخ محدد لانتهاء موجة الغلاء القائمة؛ لأن الوضع العام يشهد موجة ضبابية، حيث يوجد حالة من التذبذب فى سعر الصرف وعدم معرفة تسعير السلع، بجانب وجود الأزمة العالمية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما أحدث فوضى فى التسعير على المستوى العالمى، مشيرًا إلى أنه يمكن توقع استقرار أسعار السلع فى حالة استقرار الوضع العالمى بجانب وضوح الحكومة فى السياسات المالية والضرائب.
مضيفًا لـ»فيتو»: رفع سعر الفائدة سيؤثر سلبيا على الاقتصاد؛ لأن الحكومة هى المدين الأول فى الدولة بإجمالى 5 تريليونات جنيه تقريبا، وهذا يعنى أن زيادة 1% فائدة يعنى دفع 50 مليار جنيه زيادة، وهذا يعنى وجود ألم شديد بالنسبة للجميع، وهو ما يمكن أن يؤثر على الأموال المتاحة للحفاظ على البنية الأساسية من التعليم والصحة وغيرها، بجانب اضطرار الحكومة لرفع الدعم عن بعض الخدمات.
الحماية الاجتماعية
من جانبه طالب هانى جنينة، الخبير الاقتصادى، الحكومة بمراعاة محدودى الدخل ومن يعيشون تحت خط الفقر، ووضع حماية اجتماعية لهم فى ظل المتغيرات الاقتصادية المتسارعة فى العام الجديد، وما أحدثته الظروف العالمية من وجود أزمة اقتصادية حادة، مضيفًا لـ»فيتو»، أن المواطنين ممن يمتلكون أوعية ادخارية عليهم استثمارها فى البورصة لأن الدولة الآن تدعم البورصة بقوة نتيجة طرح بعض الشركات الحكومية فى البورصة، وهو ما يعنى وجود احتمالية كبيرة لارتفاع الأسهم خلال الفترة المقبلة، بجانب إمكانية وضع هذه الأموال للاستثمار فى الذهب أو شراء شهادات ادخار فى البنوك ذات القيمة المرتفعة.
رئيس المنتدى الاستراتيجى للتنمية علاء رزق، الخبير الاقتصادى يقول: هناك موجة من الغلاء تضرب العالم، سواء الاقتصادات الكبرى أو الناشئة مثل مصر، لافتًا إلى أنه فى حالة مصر، فالسبب يعود إلى عجز فى الموازنة العامة، وزيادة حجم الدين العام وهى أسباب منطقية لزيادة سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصرى، فضلا عن ارتفاع أسعار الكهرباء؛ فالإنتاج الصناعى والزراعى فى مصر يحتاج إلى الكهرباء وهو ما يؤثر تأثيرا مباشرا على ارتفاع التكلفة.
ولفت إلى أن مصر تستورد معظم السلع بالدولار، وهو ما يؤدى إلى زيادة الأسعار حتى بالنسبة للسلع محلية الصنع، ورغم أن البنك المركزى المصرى هو المسئول الأول عن ضخ العملة الصعبة لتوفير تلك السلع، إلا أننا نلاحظ أن هناك زيادة كبيرة جدا بالنسبة للاستهلاك تفوق بمراحل العرض من السلع والخدمات.
وأوضح «رزق»، أن الزيادة السكانية تتطلب معدل نمو اقتصادى أكبر منها ثلاث مرات، وهو أمر صعب جدا، لأن هذا يعنى أننا يجب أن نصل إلى معدل نمو اقتصادى لا يقل عن ٨٪ سنويا، وهو أمر قد يبدو فى غاية الصعوبة فى ظل تراجع معدل النمو الاقتصادى العالمى إلى ما دون 2% سنويا، مشيرًا إلى أن من أسباب زيادة الأسعار، أسعار المنتجات الزراعية وتكلفة نقلها، بجانب بعض السياسات الحكومية، مع وجود عناصر فاسدة وغياب الرقابة، كل ذلك زاد من أسباب الأزمة.
وأكد أن الحل يكمن فى ضرورة وجود بورصة للأسعار تسعى إلى تحديد السعر ومحاسبة المخالفين، مع وجود مؤسسات قومية قوية وجهاز حماية للمستهلك يقوم بدوره على الوجه الأكمل كرقيب على السوق مع تحديد هامش للربح، كما هو متبع فى بعض الدول المتقدمة التى تمارس النظام الرأسمالي الحر مثل إنجلترا واليابان فهى تقوم بتحديد هامش ربح لبعض المنتجات مثل الملابس بـ20% والسلع الغذائية 25%.
وأكمل أن ذلك يتطلب أيضًا وجود منافذ حكومية أكبر لتوزيع السلع الأساسية رغم وجود 40٫000 منفذ وسيارات كبيرة متنقلة، لكن الأمر يتطلب المزيد ويبقى أن زيادة الإنتاج هى الأساس الحاكم فى مواجهة الغلاء حتى يمكن توفير السلع للمواطنين.
جودة الخدمات
وعن مدى قدرة الحكومة على الحفاظ على جودة الخدمات الأساسية فى تلك الفترة، قال “رزق” إن الفترة الماضية دشّنت الدولة مبادرات مثل حياة كريمة ووضعت برنامج قومى لتطوير الريف، وبالتالى فهى قادرة، لكن ضرورى السعى نحو إدخال الحوكمة كشرط أساسى لتطوير هذه الخدمات بما يضمن توافر المعايير الدولية والتنمية المستدامة واستدامة التنمية.
واستطرد، بأن هناك مجموعة من الخطوات الحكومية تتطلب ضرورة السعى نحو تحقيق الأمن الغذائى، يأتى على رأسها ضرورة، أن تكون هناك رؤية لتعزيز الصلابة فى مواجهة الصدمات، واستكمال المشروعات القومية وعلى رأسها مشروع الدلتا الجديد الذى يوفر ويضيف ٢٫١ مليون فدان إلى أرض مصر مع ضرورة السعى نحو استكمال خارطة الطريق بإضافة أكثر من 6 ملايين فدان إلى الأراضى التى تستخدم الآن فى الزراعة لنصل إلى 17 مليون فدان، بما يضمن تحقيق الأمن الغذائى لمصر على الأقل فى الفترة القادمة.
وعلى جانب آخر، أكد الدكتور عبد النبى عبد المطلب، الخبير الاقتصادى، أن موجة ارتفاع الأسعار سوف تتوقف بمجرد استقرار سوق سعر الصرف فى مصر. لافتا إلى أنه فى ظل وجود تذبذب كبير فى قيمة الجنيه المصرى أمام العملات الأجنبية سوف تستمر موجة الغلاء.
وأشار إلى أن الحكومة لا تمتلك الآليات التى تمكنها من أحكام سيطرتها على السوق، فرغم ما تبذله من جهد لتوفير السلع الأساسية بأسعار مناسبة، فهى لم تتمكن من الحفاظ على أسعار هذه السلع، حتى داخل منظومة السلع التموينية، حيث ارتفعت أسعار الزيت والسكر داخل المنظومة.
وعن التأثير السلبى لزيادة الدولار فى الموازنة العامة للدولة، قال د.عبد النبى، إن انخفاض الجنيه يزيد الضغوط على بنود الإنفاق المخصصة لسداد التزامات الديون، لافتًا إلى أن تراجع قيمة الجنيه المصرى يزيد أعباء أقساط وفوائد الدين الخارجى عند معادلتها بالجنيه مقابل الدولار، وكذلك سوف ترتفع مخصصات تمويل استيراد السلع الاستراتيجية مثل القمح والزيوت كذلك سترتفع نفقات التزامات مصر نتيجة عضويتها فى المؤسسات الدولية.
وعن كيفية حفاظ الحكومة على جودة الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم، قال “عبد النبى”، إن الدولة لديها خطة معلنة للحفاظ على قطاع التعليم ورفع مستواه، حيث تحاول توفير التمويل المطلوب لإنشاء فصول جديدة تسهم فى خفض كثافة الفصول، كما تسعى الدولة لإضافة 25 ألف فصل جديدة بتكلفة استثمارية 15 مليار جنيه، أما فى قطاع الصحة، فقد تم توجيه مخصصات مالية تقدر بنحو 5.1 مليار جنيه لإنشاء وتطوير 94 مستشفى، و448 وحدة صحية ضمن التأمين الصحى الشامل.
وعن الخطوات الحكومية المطلوبة لتحقيق الأمن الغذائى، أكد أن المؤشر العالمى للجوع لعام 2022، يشير إلى ضعف الأنظمة الغذائية، وأن التقدم العالمى فى مكافحة الجوع قد ثبت إلى حد كبير فى السنوات الأخيرة، ووفقا للتقرير، فإن آثار الصراعات الإقليمية المستمرة، وتغير المناخ، وأزمة كورونا، والحرب فى أوكرانيا، وتعطل سلاسل الإمداد، وارتفاع وتقلب أسعار المواد الغذائية والأسمدة والوقود قد أضعفت بشدة الأنظمة الغذائية غير الكافية وغير المستدامة بالفعل فى العالم. ونتيجة لذلك، يتوقع التقرير أن يشهد العالم ثالث أزمة غذائية عالمية فى أقل من عقدين من الزمن.
نقلًا عن العدد الورقي..،