شيخ العرب
رأينا خلال الأيام القليلة الماضية حملة هجوم ممنهجة استهدفت القطب الصوفي شيخ العرب السيد أحمد البدوي وشوهت مكانته بين محبيه ومريديه، نالت تلك الحملة الممنهجة من فضائل ومكارم شيخ العرب التي اشتهر بها وعُرفت عنه واستقرت في الوجدان لدى الصوفيين الحقيقيين.
لا شك أن هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيه شيخ العرب السيد البدوي للهجوم والتجريح والتشويه فقد سبقتها حملات عدة ولكنها تكسرت جميعًا أمام صخرة الإيجابيات التى يحظى بها على مدار التاريخ. وكان لدار الإفتاء المصرية تدخل سريع على خط الأزمة عندما أصدرت بيانًا مطولًا دافعت فيه عن البدوي وبينت منزلته وأظهرت بعضًا من كراماته وتحدثت عن جانب من سيرته ومسيرته.
في المقابل رصدت بعضًا من المراجع والمصادر التاريخية أنصافا لشيخ العرب كما تحدثت مع عدد من شيوخ الطرق الصوفية الذين كشفوا الأغراض التي تقف وراء هذه الحملة الموسمية وأظهروا عوارها.
والسيد البدوى هو أحمد بن على بن يحيى من مواليد (فاس 596 هـ/1199 م - طنطا 675 هـ/1276 م) وهو إمام صوفى سنى عربى وثالث أقطاب الولاية الأربعة لدى المتصوفين، وإليه تنسب الطريقة البدوية ذات الراية الحمراء، لُقب بالبدوى لأنه كان دائم تغطية وجهه باللثام مثل أهل البادية وله الكثير من الألقاب أشهرها شيخ العرب والسطوحى.
إدعاءات وافتراءات
حملة سلفية شرسة تطعن فى الشيخ السيد البدوى، تستهدف التشكيك في كرامات القطب الصوفي الكبير، فانقسم الناس بين مؤيد لكرامات شيخ معروف عنه أنه ينحدر من نسل رسول الله، ويعتبر من أولياء الله الصالحين، وبين فريق آخر يرى أنه كان جاسوسًا شيعيًا ادعى الألوهية، وصنع البعض منه هالة خرافية عنه للسيطرة على مريديه.
كما أشيع أن للسيد البدوي كرامة طي الأرض، فيروي احد تابعيه أن “البدوي” انتقل من مكة إلى طنطا فى إحدى عشرة خطوة «كما قال إن السيد البدوي يستطيع أن يخسف الأرض إذا أراد، وقد فعل ذلك بفاطمة بنت بري، سيدة ثرية كانت تغويه للزواج منها، فرفسها وغاصت بها الأرض وظلت تستنجد بأهلها دون جدوى ثم عفا عنها البدوي فخرجت بفرسها من الأرض».
ووصل سلطان السيد البدوي للجن، فأمرهم ببناء زاويته بعد أن يموت حسبما يروي الشيخ عبد العال، تلميذ البدوى وخليفته، إذ شهد أن البدوي قال له: «يا عبد المتعال إني أمرت الملك الأحمر أن يطيعك، قال سيدي عبد المتعال فلما انتقل إلى القبر سألت الملك الأحمر وقلت له ارحمنى من هذا الكوم، قال: فأمر جنوده وكانوا يومئذ اثنى عشر ألفًا، فرفعوا الكوم وبددوه فى الهواء فى أسرع من طرفة عين» (كتاب الجواهر).
شيخ الأزهر الأسبق يرد
وفى رد التهم عن السيد البدوى يقول شيخ الأزهر الشريف الأسبق الدكتور عبد الحليم محمود في كتابه «أقطاب التصوف.. السيد أحمد البدوى رضى الله عنه» ليس فى حياة السيد البدوى إلا الخير «سار السيد فى هذا الطريق الذى سار فيه أسلافه، سار فيه كمريد، وانتهى فيه إلى أن أصبح شيخًا له مريدون، لقد عالج نفسه حتى استقامت، وتابع الشيخ حتى انتهى به الشيخ إلى مركز من مراكز القيادة فأسلمه إليه..
فأصبحت حياة السيد هداية وإرشاد، فهو يأخذ العهد على المريدين مبتدأ بمبدأ العهد، وهو التوبة، ثم يلقنهم الذكر ويقودهم إلى الله تعالى، حتى إذا استقامت نفوسهم، واطمأن لتربيتهم بعثهم هادين مرشدين هنا وهناك».
ودافع الدكتور عبد الحليم محمود عن السيد البدوي فقال: «هذه الحياة كرسها السيد للجهاد فى سبيل الله، يحاول البعض أن يعطيها ألوانًا لا تتناسب مع الحقيقة، ويحاولون أن ينزلوا بالقمم الشامخة، لأنه يشعر بالحقد على كل قمة».
وردًّا على مقال كُتب فيه «إن السيد البدوي كان جاسوسًا فاطميًا»، قال عبد الحليم محمود «إن حياة السيد البدوى خلصت لله، لقد كان يصوم نهاره، وإذا جاء الليل قامه فى قراءة القرآن، وكان منصرفًا بكيانه كله إلى الهداية فى الله وإنسان بهذه الحالة لا يمكن له أن يكون جاسوسًا فاطميًا».
كما ذكر في كتاب «السيد أحمد البدوي» أن «الكرامة الكبرى للبدوي أنه ربى رجالًا، وكون أبطالًا مجاهدين فى سبيل الله»، وقال عنه: «كان سيدى أحمد البدوى يتعبد بجبل قبيس، حيث اعتزل الناس ولزم الصمت وكان لا يتكلم إلا بالإشارة، وقرأ القرآن بالأحرف السبعة، ودرس قليلًا من الفقه الشافعى، وعكف على العبادة وامتنع عن الزواج». ووصفه عبد الحليم محمود فى كتابه بأنه «كان (ولى الله) أى مؤثرًا لله على كل ما عداه، وأطلق عليه منذ صغره لقب (الزاهد)، وسار السيد فى الطريق الصوفى المألوف، الذى رسمه السالكون إلى الله».