هل كان وليًا من الصالحين أم جاسوسًا شيعيًا.. فتنة السيد أحمد البدوي
شهد الأسبوع الماضي حملة هجوم ممنهجة استهدفت القطب الصوفي السيد أحمد البدوي، وشوهت مكانته، بين محبيه ومريديه، ونالت من فضائله ومكارمه التي اشتهر بها وعُرفت عنه واستقرت في الوجدان ولا شك أن هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيه «السيد البدوي» أو «شيخ العرب» للهجوم والتجريح والتشويه؛ فقد سبقتها حملات عدة، ولكنها تكسرت جميعًا أمام صخرة التمجيد التى يحظى بها على مدار التاريخ، كما دخلت دار الإفتاء المصرية على خط الأزمة عندما أصدرت بيانًا مطولًا نافحت فيه عن «البدوي» وبينت منزلته، وأظهرت بعضًا من كراماته، وتحدثت عن جانب من سيرته ومسيرته.. «فيتو» رصدت جانبًا من المراجع والمصادر التاريخية التي نالت من السيد البدوي، وفي المقابل رصدت بعضًا من المراجع والمصادر التاريخية التي أنصفته، كما تحدثت مع عدد من شيوخ الطرق الصوفية الذين كشفوا الأغراض التي تقف وراء هذه الحملة الموسمية وأظهروا عوارها.
إدعاءات وافتراءات
حملة سلفية شرسة تطعن فى الشيخ السيد البدوى، تستهدف التشكيك في كرامات القطب الصوفي الكبير، فانقسم الناس بين مؤيد لكرامات شيخ معروف عنه أنه ينحدر من نسل رسول الله، ويعتبر من أولياء الله الصالحين، وبين فريق آخر يرى أنه كان جاسوسًا شيعيًا ادعى الألوهية، وصنع البعض منه هالة خرافية عنه للسيطرة على مريديه.
الرد على هذه الحملات جاء في كتاب السيد البدوى بين الحقيقة والخرافة الصادر عام 1982 للدكتور أحمد صبحي منصور «أن الصوفية جعلوا أولياءهم أحياء في قبورهم يتصرفون من العالم الآخر في ملكوت الله يمنحون ويمنعون، وجعلوا البدوى قطب الأقطاب الحي دائمًا، موضحا أن الشعراني أحد من روج لهذه الفرية، وقال إن شيخه الشناوي أخذ العهد عليه في قبة البدوي بأن يحضر مولده كل عام وأن يده قد خرجت من الضريح وقبضت على يده وأجاب من داخله بأنه سيرعى الشعراني.
ونقل عبد الصمد عن الشعراني أحد تلاميذ السيد البدوي قوله عن الشناوي: «إنه عين أعيان أتباع سيدى أحمد البدوي وكان يكلمه من ضريحه، وقد شاع في عصر الشعراني إدعاء الكثيرين بأخذ العهد على البدوي فى ضريحه وأشيع عنه أن إقامة المولد للبدوى كان فرصة متجددة لتذكرة الناس بحياة البدوي الأزلية في قبره إذ يحمى الواردين إليه من شتى البقاع ويدفع عنهم أذى اللصوص».
يقول عبد الصمد عن عمر الشناوى الأشعث: «من كراماته أنه يخرج من قبره راكبًا فرسًا مغيثًا لمن قطع العرب عليه الطريق ويطردهم عنه ثم يرجع إلى قبره»، ويقول عن يوسف البرلسى: «ورأوه مرارًا عديدة وهو يطلع من القبر ويخلص من تعرض له قطاع الطرق»، ويقول عن كل من خلف الحبيشى وعماد الدين: «وله كرامات كثيرة فى حياته وبعد موته».
كما أشيع أن للسيد البدوي كرامة طي الأرض، فيروي “عبد الصمد” أن “البدوي” انتقل من مكة إلى طنطا فى إحدى عشرة خطوة «كما قال إن السيد البدوي يستطيع أن يخسف الأرض إذا أراد، وقد فعل ذلك بفاطمة بنت بري، سيدة ثرية كانت تغويه للتزوج منها، فرفسها وغاصت بها الأرض وظلت تستنجد بأهلها دون جدوى ثم عفا عنها البدوي فخرجت بفرسها من الأرض».
ووصل سلطان البدوي للجن، فأمرهم ببناء زاويته بعد أن يموت حسبما يروي الشيخ عبد العال، تلميذ البدوى وخليفته، إذ شهد أن البدوي قال له: «يا عبد المتعال إني أمرت الملك الأحمر أن يطيعك، قال سيدي عبد المتعال فلما انتقل إلى القبر سألت الملك الأحمر وقلت له ارحمنى من هذا الكوم، قال: فأمر جنوده وكانوا يومئذ اثنى عشر ألفًا، فرفعوا الكوم وبددوه فى الهواء فى أسرع من طرفة عين» (كتاب الجواهر).
وفي كتاب «السيد البدوي ودولة الدراويش فى مصر» لمحمد فهمي عبد اللطيف يقول: «إن السيد البدوي، الذي عُرف عنه - بالإضافة إلى طول صمته أحيانا وعلو صراخه أحيانا أخرى- أنه إذا لبس ثوبًا أو عمامة، تستمر على جسده حتى تبلى دون أن يخلعها سواء لغسيل أو غيره، دون أن يترك ثروة أو مالًا، لأنه على عكس «ابن عربي» لم يكن صاحب فلسفة أو فكر يُقدِّمه لطبقة خاصة، فلم يترك أيضًا تراثًا يُذكر، لا كُتبا أو مؤلفات، فقط بعض شعر يدّعى البعض أنه له».
شيخ الأزهر السابق يرد
وفى رد التهم عن السيد البدوى يقول شيخ الأزهر الشريف الأسبق الدكتور عبد الحليم محمود في كتابه «أقطاب التصوف.. السيد أحمد البدوى رضى الله عنه» ليس فى حياة السيد البدوى إلا الخير «سار السيد فى هذا الطريق الذى سار فيه أسلافه، سار فيه كمريد، وانتهى فيه إلى أن أصبح شيخًا له مريدون، لقد عالج نفسه حتى استقامت، وتابع الشيخ حتى انتهى به الشيخ إلى مركز من مراكز القيادة فأسلمه إليه. فأصبحت حياة السيد هداية وإرشاد، فهو يأخذ العهد على المريدين مبتدأ بمبدأ العهد، وهو التوبة، ثم يلقنهم الذكر ويقودهم إلى الله تعالى، حتى إذا استقامت نفوسهم، واطمأن لتربيتهم بعثهم هادين مرشدين هنا وهناك».
ودافع الدكتور عبد الحليم محمود عن السيد البدوي فقال: «هذه الحياة كرسها السيد للجهاد فى سبيل الله، يحاول البعض أن يعطيها ألوانًا لا تتناسب مع الحقيقة، ويحاولون أن ينزلوا بالقمم الشامخة، لأنه يشعر بالحقد على كل قمة».
وردًّا على مقال كُتب فيه «إن السيد البدوي كان جاسوسًا فاطميًا»، قال عبد الحليم محمود «إن حياة السيد البدوى خلصت لله، لقد كان يصوم نهاره، وإذا جاء الليل قامه فى قراءة القرآن، وكان منصرفًا بكيانه كله إلى الهداية فى الله وإنسان بهذه الحالة لا يمكن له أن يكون جاسوسًا فاطميًا».
وعن مكانته يقول الشيخ عبد الحليم محمود: «إنه بالرغم من أن الظاهر بيبرس لا يتأخر عند إثارة حقده وكان سريع التصديق فيما يلقى إليه من وشاية، لكنه كان يقدس السيد البدوى وكان يزوره متبركًا به ويقبل قدميه».
كما ذكر في كتاب «السيد أحمد البدوي» أن «الكرامة الكبرى للبدوي أنه ربى رجالًا، وكون أبطالًا مجاهدين فى سبيل الله»، وقال عنه: «كان سيدى أحمد البدوى يتعبد بجبل قبيس، حيث اعتزل الناس ولزم الصمت وكان لا يتكلم إلا بالإشارة، وقرأ القرآن بالأحرف السبعة، ودرس قليلًا من الفقه الشافعى، وعكف على العبادة وامتنع عن الزواج».
ووصفه عبد الحليم محمود فى كتابه بأنه «كان (ولى الله) أى مؤثرًا لله على كل ما عداه، وأطلق عليه منذ صغره لقب (الزاهد)، وسار السيد فى الطريق الصوفى المألوف، الذى رسمه السالكون إلى الله».
وقال عبد الحليم محمود: «إن سيدى أحمد البدوى اقتدى بجده رسول الله، صلى الله عليه وسلم فى لبس الأحمر»، واختاره علامة لمن يمشى على طريقته من بعده، وكان من شروط من يحمل شعاره ألا يكذب، وألا يأتي بفاحشة، وأن يكون غاضًا للبصر عن محارم الله، ويكون طاهر الذيل، وعفيف النفس، خائفًا من الله سبحانه وتعالى.
مستهدف بالتجريح والطعن
وفى كتاب «السيد أحمد البدوي إمام من أئمة أهل السنة ليس جاسوسًا ولا شيعيًا» يقول الراحل الدكتور جودة محمد أبو اليزيد المهدي، أستاذ التفسير وعلوم القرآن بالأزهر، «لقد كان من أعظم الشخصيات الصوفية المستهدفة بالنقد والأثم والطعن الظالم، فشخصية الولي العظيم العارف بالله تعالى، القطب الشريف سيدنا أحمد البدوى، فقد صدر فى الآونة الأخيرة عدة مؤلفات تطعن فى هذا الولى الشريف، وكنها كتيب «السيد البدوى دراسة نقدية» ووزعت آلاف النسخ من هذا الكتيب على المساجد ودور العلم، في حملة لم تشن مثلها على أعداء الإسلام الذين استباحوا دماء أهله وانتهكوا حرمته».
وقال الدكتور جودة أبو اليزيد في كتابه «لقد طعنوا فى نسبه الشريف الذى وثقه إثبات المؤرخين، وتواترت صحته حتى لُقب لشرفه بـ “السيد”. وسلكو مسلكًا خبيثًا فى محاولة نفى تحققه بالولاية والصلاح، فاختلقوا وصمة التشيع الباطني، وألصقوا به شنيعة التجسس والتخطيط السياسي، والتآمر لحساب الدولة الفاطمية، وزعموا -زورًا وبهتانًا- أنه كان متحللًا من التكاليف الشرعية، فادعوا عليه ترك الصلاة، وحاشاه وهو الصوام القوام، العابد الأواه».
مشايخ الطرق الصوفية يردون
قال الشيخ علاء أبو العزائم شيخ الطريقة العزامية وعضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية، إن التيار السلفي الذي يهاجم الصوفيين هو أحد أسباب تشويه صورة الإسلام بأفكاره المنحرفة، فالصوفيون لم يخرج منهم إرهابيون يتبنون أعمال عنف مثلما خرج من التيار السلفي إرهابيين يقتلون الأبرياء.
مؤكدا أن السلفيين يهاجمون الصوفية، لأنهم يفضحون فكرهم المنحرف الذى يمثل خطرا كبيرا على المسلمين، ولكن نحن نحترم آل البيت ونقتدي بهم، وننتهج الفكر الوسطى ولسنا متشددين مثل السلفيين، لذلك يعتبرون أننا نمارس الدجل متسائلا: هل أصبح حب الرسول وآل البيت دجلا وشعوذة كما يدعي السلفيون الذين يصدرون لنا الإرهابيين للممارسة كل أعمال العنف ضد الدولة.
مضيفا أن التيار السلفى يمثل خطرًا كبيرًا على المجتمع، خاصة مع استخدام هذا التيار طريق الهجوم على الطرق الصوفية وأقطابها من أجل مصلحته الشخصية ولنشر أفكاره المتطرفة بين الشباب.
من ناحيته قال مصطفى زايد، عضو الطريقة الرفاعية والباحث المتخصص في الشأن الصوفي، إن حملة الهجوم السلفية الشرسة على القطب الصوفي البارز أحمد البدوي التي وصلت إلى حد اتهامه بالتشيّع، ليست المرة الأولى، لافتا إلى أن كل عام ومع اقتراب مولد السيد البدوى يتفنن الجهال فى الطعن فى سيرته فمنهم من يهدم نسبه الشريف لسيدنا رسول الله وهناك من يطعن فى مذهبه السنى ويتهمه بالتشيّع وهناك من يطعن فى وطنيته ويتهمه بالجاسوسية حتى أنهم طعنوا فى قواه العقلية واتهموه بالجنون، وللأسف طول التاريخ لم يقدم هؤلاء الجهلة للإسلام إلا إثارة الفتن وتقديم صورة سيئة للإسلام أمام العالم.
ويرى الشيخ عبد الخالق الشبراوى شيخ الطريقة الشبراوية البرهامية أن هجوم السلفيين على الشيخ أحمد البدوى يتكرر كل عام، وهذا يعود إلى كراهيتهم له باعتباره أحد أقطاب الصوفية المدافعة عن الإسلام، والذي ينتسب إلى الرسول الكريم، وبالتالى يبتكرون كل عام اتهام تارة بأنه شيعى وأخرى بأنه ليس من الأولياء الصالحين وثالثة بأنه لا ينتسب لأهل البيت وهذا يعود إلى أنهم أذناب اليهود.
وأضاف الشيخ عبد اللطيف الجوهرى شيخ الطريقة الجوهرية الأحمدية أن اتهامات السلفيين للشيخ أحمد البدوى باطلة، واعتاد عليها السلفيون منذ زمن بعيد دون أن يكون لديهم أي أدلة على هذه الاتهامات بدليل أن علماء الأزهر أقروا ولاية الأولياء وكرامتهم، ومنهم مفتي الجمهورية الأسبق الذى أثنى على مولانا السيد البدوى، واعتبره من فقهاء عصره.
وأكد أن هؤلاء يحاربون أى ولى له كرامات لأنهم لا يعترفون بالكرامات ويحاولون تشويه صورتهم ويعلمون أتباعهم هذه الاعتقادات الباطلة بدون سند شرعى مع أن كرامات الأولياء ثابتة فى مواقف كثيرة لاحصر لها.
إمام مسجده بطنطا: جمع بين الحقيقة والشريعة
من جانبه.. يقول الشيخ محمود الهلالي، إمام وخطيب مسجد السيد البدوي بمدينة طنطا: السيد البدوي رضي الله عنه إمام قطب عارف بالله، ولي نبوي رباني، وهو من كبار أولياء الأمة، بلغ الغاية في الأخلاق، ويعتبر بين أهم الأئمة بلا نزاع، إذ جمع بين الحقيقة والشريعة، وكان فى العلم بحرا لا يدرك له قرار، وشهد بذلك العلماء الأخيار وتواترت عنه الكرامات والمواهب اللدنية وأثرت عنه الأخلاق الكريمة والشمائل المرضية، منوهًا إلى أن نسبه يمتد إلى نسب النبى الكريم، حيث يتفق على ذلك المؤرخون والعلماء، ويطبق على صحته عدول الأمة، وتواردت به شهادة الأشراف فى مصره، وتواتر نسبه الشريف عند علماء النسب فى عصره وبعد عصره، فالتشكيك فى ذلك من الكبائر التى حرمتها الشريعة وذمت من مرتكبها صنيعَه.
ونفى “الهلالي” أن يكون للهجمة الأخيرة التى استهدفت “السيد البدوي” تأثير سلبى على زيارة ضريحه، مشددا على أن شواهد محبته تزداد، ونراها يوما بعد الآخر، وهى بالأساس سارية فى الأمة منذ ظهوره إلى اليوم.
وعن سر تلقيبه بـ "القطب"..أوضح “الهلالي”: لأنه أحد أركان الولاية الذين اجتمعت الأمة على اعتقادهم ومحبتهم، فالشهادة بولايته وإمامته شهادة بالحق وتصديق لأهل الصدق امتثالًا لقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «أنتم شهداء الله فى الأرض».
وعن اتهامه بالجاسوسية..شدد “الهلالي” على أنها مسالك خالية عن الإنصاف وتخرج عن المنهج العلمى الذى يرفض اتهام أولياء الأمة وعلمائها ومؤرخيها وحكامها قاطبة بالجهل والغفلة أو التزوير والكذب أو التواطؤ والخيانة مع ما فى ذلك من إفقاد المسلمين الثقة فى تاريخهم وتراث مؤرخيهم وعلمائهم، وما هو ثابت أن الأمة متفقة على ولايته وشرفه وعدم الطعن فيه رضى الله عنه.
وعن حقيقة عدم التزامه بالصلاة وكونه شيعيا باطنيًّا، أجاب “الهلالي”: «إن كان الأمر فى الكرامات، فالصوفى الحق يعلم جيدًا أن الكرامة الحقيقية فى الاستقامة، وإن لم نصدق الكرامات الأخرى فلا ننكر على أحد شيئا، وذلك من باب الأدب، قل حدث ولكن لا أصدق والله أعلى وأعلم، والبدوى قد لقى الأئمة العارفين وأخذ عن كبار أولياء الله الصالحين وأرسى طريقته على الكتاب والسنة النبوية والتزام الواجبات الشرعية والمداومة على النوافل المرعية وبناها على الصدق والصفاء وحسن الوفاء وتحمل الأذى وحفظ العهود وأقامها على الشهامة والكرم والأخلاق الندية من إطعام الطعام فى كل حين والإحسان للمساكين ورعاية الأيتام والمحتاجين وإكرام الوافدين.
و عن أشهر ألقابه التى عُرف بها..أوضح “الهلالي”: لقد تم تلقيبه بألقاب عديدة أبرزها: البدوى، وشيخ العرب، والملثم، والسطوحي، والسيد، وأبو الفتيان، والعيسوى، وأبو فراج، وأبو العباس، والقدوسي، والصامت، وجياب الأسري، والعطاب، ومحرش الحرب، والزاهد.