نحن نتعامل مع أعراض المرض!
قرارت أمس المفاجئة التى قضت بطرح شهادات بفائدة 25% وتخفيض الجنيه بنسبة 7% لها من قبل الذين اتخذوها ما يبررها، ولها أيضا من قبل الذين توقعوها ما يفسرها.. فالذين أصدروها يحاولون امتصاص السيولة في السوق للسيطرة على التضخم والمحافظة على احتياطيات النقد الأجنبي وعدم تبديدها على تثبيت سعر الجنيه.. والذين توقعوا هذه القرارات يرون أنها تأتى في إطار الاتفاق الذى تم التوصل إليه مع صندوق النقد الدولي والذى يقضى بالالتزام بمرونة سعر الصرف ومحاصرة السوق السوداء للعملة.
وأيا كانت أسباب قرارات أمس المصرفية التى اتخذها البنك المركزي وأكبر بنكين مملوكين للدولة، فإنها تتعامل مع أعراض المرض الاقتصادى ولا تقدم العلاج المطلوب لهذا المرض حتى الآن.. إننا نسلك منذ التسعينات من القرن الماضى ذات السبيل وهو تخفيض سعر الصرف ورفع أسعار الفائدة للسيطرة على التضخم.
فعلنا ذلك عدة مرات حتى الآن سواء بالاتفاق مع صندوق النقد أو بدونه، ومع ذلك مازلنا نعانى من وجود سوق سوداء للعملة ومن تضخم غلاء لا يتوقف عن الزيادة منذ بداية العام الماضي الذى ودعناه قبل أيام قليلة.. والفطنة تقضى بأن نجرب التعامل مع أسباب المرض الاقتصادى وليس مع أعراضه، حتى ولو كنّا سنتحمل هذه الأعراض بعض الوقت حتى يحقق العلاج تأثيره المطلوب.
وسبب مشكلتنا الاقتصادية معروف لدينا وهو إننا نستهلك أكثر مما ننتج ونستورد أكثر مما نصدر، ولذلك أصبحنا أكثر عرضة لعدوى أية مشاكل تلم بالاقتصاد العالمى كما حصل في أزمة كورونا ثم أزمة الحرب الأوكرانية.
والعلاج المطلوب هنا معروف أيضا وهو التخلص من هذا الخلل الاقتصادى بزيادة انتاجنا وتخفيض استيرادنا من الخارج، وإذا كانت زيادة انتاجنا تحتاج لوقت فإن تخفيض استيرادنا لا يحتاج لهذا الوقت وإنما فقط لقرار حاسم، وبالتالى وقتها قد يجد البنك المركزى أن رفع سعر الفائدة يعطل زيادة الإنتاج ولا يفيد بالتالى كثيرا في السيطرة على التضخم المستورد من الخارج، وإن تخفيض الجنيه يزيد التضخم!