المغرب.. أرض الأولياء والصالحين (1)
مقولة محببة لدى كثير من المسلمين، لا سيما مريدي التصوف، ومحبي الصالحين “المغرب أرض الأولياء، ومصر أرض الأنبياء”. فمن يتصور أن المغرب تحتضن نحو 5 آلاف مقام وضريح؟! وأغلب تلك المقامات والأضرحة فى "فاس ومكناس".
لا تكاد تخلو مدينة أو قرية في المغرب من ولي أو رجل صالح. "ينبت الصالحون بالمغرب كما تنبت الأرض الكلأ".. وتاريخ المغرب هو تاريخ سيادة التيار الصوفي بتعبيراته المختلفة، ولم يشكل هذا التيار محاضن للتربية الروحية فقط، بل محاضن للجهاد أيضا، لقد كانت الممارسة الصوفية هي الشكل السائد للتدين في المجتمع المغربي.
وللزوايا والأضرحة بالمغرب حضورها وأهميتها داخل نسيج المجتمع وحياته. ولهذه الأضرحة والزوايا الصوفية، جذور ضاربة في عمق تاريخ المغرب الديني والسياسي، منذ الأدارسة إلى العلويين الذين يحكمون المغرب اليوم، وارتبطت من جهة بالنسب الشريف أو الانتساب لآل البيت..
كما ارتبطت من جهة أخرى بالتصوف الذي اتخذ أشكالًا متعددة، تراوحت بين التصوف الفردي الذي يمثله مزار الضريح، والتصوف المؤسساتي الذي تدخل في إطاره الزاوية التي لعبت أدوارًا مهمة في تاريخ المغرب السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وخاصة في فترة ما قبل وأثناء الاستعمار..
أضرحة وزوايا المغرب
حيث كانت الزاوية بمثابة سلطة محلية قائمة بذاتها، يساندها أعيان القبيلة وسكانها، وتمكنت من أن تفرض نفسها على "المخزن" (الدولة المركزية) كقوة حقيقية، كما لعبت دور إطعام وتغذية المحتاجين أيام المجاعات، وإيواء الفقراء خصوصًا في فترات الأزمات والحروب، واعتمدت في ذلك على أملاكها الخاصة، بالإضافة إلى تلقيها الهبات والهدايا المتواصلة أو ما يعرف بالزيارة.
الأضرحة والزوايا فى المغرب تستند على كرامات الولي الذي يُدفن في قبر في أرض خاصة به وليس في مقبرة مع بقية المسلمين، أو يُدفن بداخل الزاوية، ويُشيَّد على القبر بناء يُغطى بأثواب خضراء عليها بعض الآيات القرآنية.
وما يلفت الانتباه بزوايا المغرب أنها لا تقتصر على الذكور فقط، بل تنتشر العديد من الأضرحة التي تحمل أسماء نساء ارتبطت أسماؤهن أيضا بكرامات وحكايات عن تقواهن وورعهن. بعض الزوايا كان لها نشاط سياسي حقيقي وملموس، مثل "الزاوية الخمليشية" والتي كان لها نشاط سياسي منذ تأسيسها على يد الشيخ "سيدي يحيى خمليش" أواخر القرن السابع عشر..
فقد تمكنت من استقطاب شريحة كبيرة في المجتمع الريفي الأمازيغي، وتوسعت لتشمل العديد من القبائل بمنطقة "الريف" (المنطقة الممتدة على طول المتوسط) التي انتظمت في شكل كونفدرالية بقيادة شيخ الزاوية، وكان لها بالإضافة إلى النشاط السياسي نشاط عسكري، وكل هذا بالموازاة مع نشاطها الروحي، وهو ما منح هذه الزاوية خصوصيتها إلى اليوم، بحيث كانت تشكل سلطة سياسية قائمة بذاتها في دائرة نفوذها، مقابل السلطة المركزية.
واستقبلت مصر عددًأ من كبار الأولياء الذين تركوا المغرب؛ بسبب الاضطهاد الديني، ورحبت بهم أرض الكنانة، لعل من أشهرهم؛ أبي الحسن الشاذلي، والسيد أحمد البدوي، وعبد الرحيم القنائي، رضي الله عنهم وأرضاهم.
أبو الحسن الشاذلي
هو الشريف الحسني تقي الدين علي بن عبد الله المغربي المعروف بالشيخ الشاذلي، مؤسس الطريقة الشاذلية، نشأ بالمغرب الأقصى، ثم استقر بالإسكندرية، بعدما تتلمذ على يد الشيخ عبد السلام بن مشيش، أحد أكبر شيوخ الأقطاب الصوفية بالمغرب، وتوفي في عام 656، وهو في طريقه لأداء فريضة الحج، في منطقة عذاب بأقصى صعيد مصر، والواقعة بالقرب من محافظة البحر الأحمر، ودُفِن فيها.
السيد البدوي
هو أحمد بن علي إبراهيم البدوي، والمعروف بـ"السيد أحمد البدوي"، ضريحه في مدينة طنطا التابعة لمحافظة الغربية بمصر، ولد بـ"فاس" المغربية عام 569 هجرية، وترعرع بها، وحفظ القرآن الكريم، وكان أحد تابعي الفقه المالكي، ثم رحل من المغرب إلى العراق، وعاد واستقر في مصر بمدينة طنطا في عام 637 هجرية، وتوفي بها عام 675، وعرفت طريقته بـ"الطريقة الأحمدية" نسبة لاسمه أو البدوية لكنيته.
عبد الرحيم القناوي
هو المعروف أيضا بـ عبدالرحيم القناوي، وضريحه بمحافظة قنا، وهو مغربي الأصل، ولد في مدينة فاس بالمغرب، ثم رحل إلى مكة وعاش فيها قرابة 6 سنوات، ورحل بعدها إلى مصر واستقر في الصعيد.
أبو العباس المرسي
هو الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن حسن بن علي الخزرجى الأنصاري المرسي، والمعروف بـ"المرسي أبوالعباس"، ولد في عام 616 هجرية، في مدينة مرسية في الأندلس التي كانت تتبع دولة المغرب في ذلك الوقت، ومنها حصل على لقبه المرسي.