أمين البحوث الإسلامية: الشريعة حرمت كل ما يؤدي للتلاعب بأقوات الناس
قال الدكتور نظير عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، إن الدين الإسلامي شامل لكل مناحي الحياة، فما من أمر من أمور الدنيا يحتاج الناس إليه إلا أوجد له العلاج الأمثل الناجح في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فدين الله عز وجل يعنيه تحقيق السعادة للفرد والمجتمع بتعاليمه السمحة التي تتناسب مع الفطرة البشرية.
ندوة مجلة الأزهر
وأضاف عياد، خلال كلمته بالندوة الشهرية الثالثة لمجلة الأزهر عن الممارسات الاحتكارية، أن نظرة التشريع الإسلامي تدعو دائما وأبدًا إلى تغليب صالح الجماعة على صالح الفرد، كما أن وجهته بصفة عامة جماعية، ترمي إلى تحقيق التكافل الاجتماعي فنجده يعمل على تقييد صالح الفرد عند تعارضه مع الصالح العام، وأن ملكية الأفراد في الإسلام ليست مطلقة، وإنما هي مقيدة من الشارع بقيود كلها تحقق صالح الجماعة.
وتابع: ولما كانت النفس الإنسانية مجبولة على حب المال الذي به قوام الحياة وانتظام الأمر والمعاش جاءت الشريعة الإسلامية السمحة بالحث على السعي في تحصيل المال واكتسابه من طرق مشروعة ومباحة، فأباحـت كـل صـور الكسب الحلال على تنوعها واختلافها شريطة ألا يكون فيها اعتداء ولا ظلم ولا ضرر على الغير. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (البقرة: 172).
واستشهد بما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51] وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟".
ومن ثم حثت الشريعة الإسلامية على السهولة واليسر، والسماحة وحسن المعاملة في البيع والشراء، وطلب الربح اليسير دون عنت أو مشقة على الناس، كما حضت المسلم على ضرورة الشفقة والتلطف بإخوانه المسلمين، حتى تتحقق لهم البركة في الرزق، والسعة في الأموال، بل جعلت هذا بابًا عظيمًا من أبواب الرحمة والإحسان، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى».
حكم الاحتكار في الإسلام
وأكد عياد، أنه نظرًا لما يترتب على الكسب الخبيث من آفات وشرور جاءت الشريعة الإسلامية ضابطة لتصرفات البيع والشراء والتعاملات المالية بما يحقق التوازن بين سعي التجار في تحصيل الأرباح، وسعي العامة في تلبية احتياجاتهم، فحرمت كل ما يؤدي إلى التلاعب بأقوات الناس وحاجاتهم الأساسية، لما يترتب عليه من إفساد العلاقة بين المسلمين، ومن ذلك: احتكار السلع الأساسية التي يحتاجها الناس، والاستغلال، والغش بجميع صوره، والتلاعب بأقواتهم وحاجاتهم الأساسية، وغير ذلك من الأمور التي تشكل خطرًا داهمًا على الاقتصاد الوطني، وتؤثر على الحياة الاجتماعية والمجتمعية.
كما أنه قرر ووفق ما ذهب إليه أكثرية من فقهاء المسلمين، تسعير السلع والحاجات التي لا غنى عنها في معيشتهم، وبالأخص في عصرنا هذا الذي خربت فيه الذمم وضعف الوازع الديني - إن لم يكن قد ضاع - وصار من يملك مليونًا يبغى مليارًا ومن يملك مليارا يبغى بليونا. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادٍ مِنْ ذَهَبٍ، أَحَبَّ أَنَّ لَهُ وَادِيًا آخَرَ، وَلَنْ يَمْلَأَ فَاهُ إِلَّا التُّرَابُ، وَاللهُ يَتُوبُ عَلَى مَنْ تَابَ»
وتابع: وإذا كان الحال كما ذكرنا وسمة تجار زماننا دائما وأبدًا رفع الأسعار وزيادتها خصوصًا فيما للناس فيه حاجاتهم الأساسية والذي هم في أمس الحاجة إليها أو إخفاء الشىء ومنع بيعه انتظارًا لغلاء أكثر وارتفاع في السعر، مما يلحق الأذى والضرر بالسواد الأعظم من البشر.