على جمعة يدعو إلى معالجة الممارسات الاحتكارية بأحكام الشريعة ومبادئ القانون
أكد الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب، اليوم الأربعاء، أن معالجة الممارسات الاحتكارية المعاصرة سواء كانت في الشريعة وأحكامها أو كانت في القانون بالتزاماته ومبادئه وما يجيزه وما لا يجيزه- تحتاج أولًا أن نفرق ما بين المبادئ التي يقوم عليها السوق وما بين أحكام التعامل.
ندوة مجلة الأزهر
وأوضح خلال الندوة الشهرية لمجلة الأزهر «الممارسات الاحتكارية المعاصرة بين الشريعة والقانون» بمركز الأزهر للمؤتمرات، أنَّ المبادئ التي يقوم عليها السوق تتجه في الشريعة إلى الحرية، فالنبي ﷺ لما طلبوا من تسعير الاسعار قال ﷺ: «إن المسعر هو الله»، وهذا الحديث يؤكده حديث آخر لرسولنا الكريم ﷺ: «دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض»، هذا الأحاديث النبوية الشريفة يسيء استخدامها المحتكرون فيقولون ما دام أمر السوق مبني على الحرية فهو حر حرية لا قيد عليها أن يفعل ما يشاء وهذا خطأ؛ إنما هذه الحرية منسوبة إلى المبادئ التي أقرها الشرع لجريان السوق عامة وليست من قبيل الأحكام التي تحكم التعامل.
هيئة كبار العلماء
وأضاف عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف أن السوق تحكمه مبادئ الحرية ولذلك استثناه الله سبحانه وتعالى في توثيق الديون التجارية، والأدلة كثيرة أنَّ السوق يقوم على مبدأ الحرية؛ لكنه أيضا تحيط هذه الحرية منظومة أخلاقية تبدأ من تعاليم ديننا الحنيف ومن قول النبي ﷺ تعالى في ما جعله الشراح والمحدثون في أوائل كتبهم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى»، فالنية أساس في التعامل وفي التصرفات وفيما يقبله الله وما لا يقبله الله، والنظام الأخلاقي الضابط للسوق لاحظه كثير من المفكرين حتى أهل الغرب، وقد كتب آدم سميث كتابا سماه «ثروة الأمم»، لكنه ألف كتابا آخر سماه « أخلاق الأمم» وهو كتاب أصغر من ثروة الأمم، لكنه ألفه بعد ذلك من أجل ضبط هذه المسألة في التفريق بين الحرية والتفت، الحرية بلا قيود وبلا مسؤولية هي تفلت، ولذلك تحتاج إلى المنظومة الأخلاقية في نيات المتعاملين، تحتاج إلى ضبطها وربطها بالله سبحانه وتعالى.
وبَيَّنَ رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب أنَّ الحرية تحتاج إلى المنظومة الأخلاقية وما أسماه الفقهاء بالمآلات والغايات، لمعرفة ما الذي يترتب على هذا الفعل حتى لو كان صحيحا في القانون أو حتى لو كان صحيحا في الظاهر أو في بداية الأمر، ما الذي يترتب عليه فيما بعد من خير أو من ضرر، وأن مبادئ السوق لابد أن نقدم بها هذا الموضوع لأنها ستفيد في فك إشكالات كثيرة في تحديد معنى الاحتكار وفي تحديد المنع منه والزجر منه، فقد ذكر الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر أن «الاحتكار من الكبائر»، وقد فرق العلماء بين الكبيرة والصغيرة، فقالوا إن الكبير هي التي ورد فيها وعد بالنار أو ورد فيها لعن أو نص على أنها كبيرة، وقد ورد اللعن في قضية الاحتكار، وقد أخرج مسلم «لا يحتكر إلا خاطئ» وكلمة خاطئ غير كلمة مخطئ، خاطئ من الخطيئة، والخطيئة ما كانت عن قصد وما يترتب عليها عقاب، أما كلمة مخطئ فهي من الخطأ وهي ما كان عن غير قصد ولا يترتب عليه عقاب.
وأشار إلى أن الأحكام المتعلقة بالاحتكار تنطبق على الطعام وعلي غير الطعام من السلع وفي كل ما يصيب الناس بالضيق والضرر ويضيق عليهم في حياتهم، محذرًا فضيلته من خطورة الاحتكار على المجتمع كله، والاحتكار لا يتعلق فقط بوقت الغلاء كما كان يفهم عنه قديما، فقد خرجنا من قاعدة التعامل بالذهب حين قطع نكسون في سنة 1970 العلاقة بين الورق وبين الذهب، وأصبح الورق لا علاقة له بالمعادن أصلا ولا بغيرها.
ونظم مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف ممثلا في الإدارة المركزية للثقافة الإسلامية الندوة الشهرية لمجلة الأزهر بعنوان «الممارسات الاحتكارية المعاصرة بين الشريعة والقانون»، في ثلاثة محاور رئيسة، تناول المحور الأول: فلسفة الشريعة الإسلامية في منع الاحتكار، والمحور الثاني: الاحتكارات المعاصرة وآثارها الاقتصادية، في حين ناقش المحور الثالث: الاحتكار والأمن المجتمعي.. الآثار والمواجهة.