رئاسية تعيد نفسها
شغور رئاسي لبناني طويل وسيناريو انتخابات يعيد نفسه مع انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ومحاولة انتخاب رئيس جديد، وفق دستور طائفي جعل في البلد ثلاث رئاسات، الأولى رئاسة الجمهورية يتولاها مسيحي ماروني، رئاسة الوزراء يتولاها مسلم سني، ورئاسة البرلمان يتولاها مسلم شيعي، على أن ينتخب رئيس الجمهورية أعضاء البرلمان وليس انتخابات شعبية عامة.
مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، وفشله في إقناع البرلمان بالتمديد له نتيجة خلافاته مع رئيس البرلمان نبيه بري، كان الشغور سيد الموقف، وفشل البرلمان في انتخاب رئيسًا للجمهورية من بين المرشحين خلال 9 جلسات متتالية، حيث عمدت كتلة التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل صهر الرئيس السابق عون، إلى التصويت بورقة بيضاء، وكذلك فعلت الكتلة الشيعية، طمعًا في إتاحة المجال لترشيح باسيل رئيسًا للجمهورية لكي تبقى الرئاسة في بيت عون.
يتميز لبنان بديمقراطية وحرية لا تعرفها دول كثيرة، كما ينفرد بمفارقات وأكشن المماحكات السياسية بين قادة الأحزاب والتيارات كل حسب طائفته، ومن المفارقات مغادرة الرئيس ميشال عون قصر بعبدا، من دون تسليم خلف له مثلما دخل القصر رئيسًا قبل ستّ سنوات من دون أن يتسلّم من سلف.
رسالة الرئيس ميشال عون
نقل الرئيس ميشال عون قبل مغادرته القصر، معاركه السياسية إلى مواقع أخرى برسالة نارية إلى البرلمان وزع فيها الاتهامات على الجميع، فضلا عن توقيع مرسوم قبول استقالة حكومة تصريف الأعمال، معلنًا بدء نضال آخر قصد به معركة ترشيح صهره جبران باسيل لرئاسة الجمهورية.
انتهت ولاية الرئيس ميشال عون، الحافلة بأزمات وكوارث، لتبدأ دوامة الشغور الرئاسي، نتيجة كيدية ومنافسة سياسية أوقعته في حفرة عميقة، كما قال الرئيس ميشال عون نفسه قبل مغادرته قصر الحكم، محذرا من أن البلد مقبل على فوضى دستورية، مع عدم انتخاب رئيس جديد، وفي ظلّ حكومة تصريف أعمال غير كاملة الصلاحيات، ليقطع جبران باسيل خط امكانية تولي حكومة تصريف الأعمال مهام رئيس الجمهورية، معتبرًا ذلك "سطو على المنصب الأول في الدولة".
خلال الأزمات اللبنانية يتجلى موقف البطريرك بشارة الراعي، الذي أبدى مخاوفه من الشغور في ظل عدم انتخاب حكومة جديدة، ما يعني أن لبنان بين فراغين رئاسي وحكومي، وحمل الساسة مسؤولية الشغور في البلد..
وقال "لو وُجدت ذرّة رحمة وعدالة لدى المسؤولين السياسيّين لما أمعنوا في هدم مؤسّسات الدولة تباعا وصولا إلى رئاستها وأوقعوا البلد في الفراغ، رغم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة، التي تحتاج استنفار الجهود لتخفيف الضغوط على الشعب".
تدويل القضية اللبنانية
خلال تصريحاته حمل بشارة الراعي، التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل، والثنائي الشيعي مسؤولية إطالة أمد الشغور، من خلال الاقتراع بورقة بيضاء، بدلًا من التصويت لاسم محدد بصرف النظر عن هويته، ما استدعى قيام الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل بزيارة البطريرك، لتوفير غطاء من الكنيسة المارونية لترشح جبران باسيل للرئاسة..
لكن البطريرك بشارة الراعي أصر على تطبيق الدستور، وانتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت، وعدم المراهنة على أي ضغوط أو تدخلات خارجية، لفرض رئيسًا بعينه، داعيًا إلى وضع حد للاستخفاف بالمنصب المسيحي الأول في لبنان.
وفي عظته الأخيرة، رأى البطريرك بشارة الراعي، ضرورة تدويل القضية اللبنانية، لكي تنقذ الأممِ المتّحدةِ ودولِ القرار البلد قبل فواتِ الأوان، خصوصًا أن هناك قوى سياسية تعطل الحل الداخلي.
وسرعان ما رد عليه المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان، معتبرًا أن واجب القامات الوطنية والروحية إعلان نفير وطني للحوار وليس للتدويل، والمطلوب حماية رأس لبنان لا تسليمه للذبح والانتقاص من سيادة الدولة.
ومن المفارقات اللبنانية، ملاحقة دول أوروبا والقضاء اللبناني حاكم المصرف المركزي رياض سلامة بتهم تبييض أموال وتبديد مدخرات وودائع اللبنانيين في البنوك، وهو ما أشار إليه الرئيس ميشال عون المنتهية ولايته، في رسالته الأخيرة للبرلمان، حيث أراد تبرئة نفسه من الأوضاع المتردية، ولفت إلى "أن الجرائم المالية في لبنان ارتكبها حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، الذي لم نستطع إيصاله إلى المحكمة لوجود شركاء له من المنظومة الحاكمة".
كما اتهم الرئيس ميشال عون، "مؤسسات الدولة والقضاء والبنوك وأصحاب المال بالمسؤولية عن الوضع الراهن". في حين أنه تمكن قبل انتهاء عهده من توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، ما ينعكس إيجابا على اللبنانيين مستقبلا.
رفضت عضو كتلة نواب التغيير النائبة حليمة القعقور، ما قاله عون عن ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، واتهمته ورئيس البرلمان نبيه بري وخلفهما حزب الله، بإساءة إدارة المفاوضات، قائلة: "لا تبيعوا إنجازات وانتصارات كاذبة باسم السيادة والمقاومة، التسوية التي تفخرون بها كارثية، وهي في حقيقتها تنازل عن كاريش وتفريط بالسيادة على حقل قانا".
لا أحد يعرف متى يتم التوافق على رئيس جمهورية وتأليف حكومة، وإلى أن ينتهي الشغور تبقى المفارقات والأكشن السياسي في صدارة المشهد اللبناني.