العزيز بالله خامس الخلفاء الفاطميين صاحب النهضة الاقتصادية والعمرانية بمصر
في مثل هذا اليوم من عام 975 تسلم العزيز بالله الخلافة الفاطمية بعد وفاة المعز لدين الله، ليصبح خامس خلفاء الفاطميين والإمام الخامس عشر من أئمة الإسماعيلية.
ملامح عصر العزيز بالله وأثره على مصر
وشهد عصر العزيز بالله العديد من مظاهر العمران والنهضة الحضارية التي شملت الكثير من العلوم والفنون والآداب. وكان من أبرز الآثار المعمارية التي أنشأها العزيز قصر اللؤلؤة الذي شيده على النيل، كما اهتم كذلك بالقصر الشرقي الكبير الذي أسسه جوهر الصقلي والذي يعد من أعظم عمائر الفاطميين.
وكانت القاهرة طوال العصر الفاطمي مركز الدعوة الإسماعيلية في العالم الإسلامي، وقد تركزت هذه الدعوة في بداية الأمر في الأزهر، وشهدت بداية خلافة العزيز بالله أولى حلقات الدراسة في الجامع الأزهر، حيث جلس القاضي علي بن النعمان في سنة ليملي مختصرا في الفقه على جمع كبير من العلماء والكبراء.
كما شهدت الفنون المتطورة ازدهارا كبيرا في العصر الفاطمي، حتى بلغت أقصى درجات الجودة والإتقان، ومن ذلك صناعة الخزف والمصنوعات الزجاجية، وخاصة في عهد الخليفة العزيز بالله.
وأنشأ العزيز بالله ملحقا بقصره ضم مكتبة ضخمة عرفت بكونها أكبر مكتبة في التاريخ الإسلامي، إذ ضمت مجموعة هائلة من ملايين المجلدات والكتب في شتي العلوم والآداب.
لكن هذه المكتبة احترقت ودمرت وضاعت منها مئات آلاف الكتب والمجلدات حين وقع الخلاف بين الجنود السودانيين والأتراك في عام 1068 م، حين لم يتمكن الخليفة آنذاك من دفع رواتب الجند فهجموا علي المكتبة وأتلفوا محتوياتها.
وأشار القلقشندي إلى نهاية المكتبة بقوله: كانت من أعظم الخزائن، وأكثرها جمعًا للكتب النفيسة من جميع العلوم، ولم تزل على ذلك إلى أن انقرضت دولتهم ـ أي دولة الخلفاء الفاطميين ـ.
وشهدت مصر في عهد العزيز بالله استقرارا ملحوظا ونهضة اقتصادية ورواجا تجاريا، فضلا عن النهضة العمرانية وإنشاء العديد من المساجد والأربطة والمدارس، والاهتمام بالحدائق والبساتين وتشييد القصور الأنيقة والمباني الفخمة؛ وهو ما يعكس حياة الترف والرفاهية التي اتسم بها عهد العزيز.
وفاة العزيز بالله وحظه العثر
وصل ملك الروم إلى حلب فاستولى على ما فيها، ثم اتجه إلى حمص فاستولى عليها، وسار إلى طرابلس فحاصرها أربعين يوما دون أن يتمكن من فتحها، حتى اضطر إلى العودة إلى بلاده مرة أخرى.
وعندما علم العزيز بما حدث عظم ذلك عليه، ونادى في الناس بالخروج للقتال، وفتح خزائنه فأنفق منها على التجهيز للحرب، وأعد أسطولا حربيا جمع له العدد والآلات والأسلحة اللازمة.
ولكن حدثت مجموعة من الكوارث العجيبة والأحداث الغريبة، فقد احترق الأسطول الذي أنفق الكثير من الجهد والمال لتجهيزه قبل أن يخرج للقتال، فتمّ صنع أسطول آخر، فلما خرج إلى البحر هبت ريح قوية فتحطم الأسطول وغرق عدد كبير من الجنود.
كل ذلك لم يجعل الوهن أو اليأس يتسرب إلى نفس العزيز بالله، ولم يضعف ذلك من عزيمته، فخرج في جيوش هائلة إلى بلاد الشام لينتقل منها إلى أرض الروم، ولم يكن يدري أن ساعات قليلة تفصل بين يومه الذي يحياه وغده الذي لن يراه؛ فقد اشتد عليه مرض «القولنج» الذي أصابه ببلبيس عند خروجه من مصر وتزايد عليه حتى أودى بحياته في 15 من أكتوبر 996 م وهو في الرابعة والأربعين من عمره.