رئيس التحرير
عصام كامل

ذاكرة الدنيا


الخلود، هو الحلم السرمدي الذي نال من الإنسان المصري لألوف السنين، والفناء هو الوحش الكاسر الذي يطارده إلي يومنا هذا ولم يتمكن منه حتى اليوم ..


فنحن البشر نجهل حقيقة فاصلة فى حياتنا... وهى متى ظهرنا على متن هذا الكوكب، العلم الحديث يؤكد أن عمر الإنسان على الأرض يتجاوز المليون سنة حسب اختبارات وضعية لا تعرف للنسبية سبيلا، أما عن تاريخ الإنسان المكتوب أو المسطر فى سياق يُقبل كتأريج فكل ما تملكه البشرية من مخطوطات تحكى عن تاريخ الإنسان لم يتجاوز عمر أقدمها خمسة آلاف سنة قبل ميلاد المسيح، إذن فكل ما يملكه الإنسان عن تاريخه لا يتجاوز السبعة آلاف عام وما لا يملكه يتجاوز التسعمائة ألف عام، على المستوى العلمى هذه حقيقة لا تقبل الجدال ولكنها تظهر كوحش كاسر يهاجم معرفة الإنسان بماضيه بل ويطعنه فى مقتل وهو ذاكرته.

والآن مع السؤال .. متي وفي أي حيز زمني أخذت الأمة المصرية طورها الطبيعي في التشكل والاكتمال؟ ببساطة نحن لا نعرف ولكن مع البحث قد نكتشف ولكن أين نبحث ؟ في الحجر، في باطن الأرض وعلي جدران المعابد والأبنية الباقية أنبحث داخل الأهرام .. أم نبحث داخل الإنسان.. نعم الإنسان المصري هو أعظم مقبرة فرعونية من الممكن أن تكتشف علي وجه الإطلاق، ففى أعماقها تكمن الحقائق ويستقر ميزان العظمة المصرية، فنحن نتكلم عن ماضينا السحيق دون أن نشعر ونحلل الأمور الحاضرة بميزان مثقول بأيام مصر الغابرة، إذن فتاريخنا هو الغائب الحاضر أمام أعيننا بشكل دائم، يفرز نفسه من أعماق اللاشعور لدينا ويتجلي في تفاصيل حياتنا اليومية ونحن نيام.

ولكي نبدأ البداية الصحيحة في رحلتنا هذه، علينا أن نقف أولا بموضوعية وثبات أمام مجموعة من الحقائق المرتبطة بتاريخنا العظيم، أول وأهم هذه الحقائق أننا جميعا نعشق الخلود ونرنو إليه بشغف وحرص كبير، فهو أثمن ما يملكه المصري في حياته سواء كان مسلما أو مسيحيا، ولكن علينا أن ندرك أن كل المصريين الذين توفاهم الله قبل ميلاد المسيح قد تم تحنيط أجسادهم ودفنوا في باطن الأرض بعناية بالغة، فالحفاظ علي الجسد دون إتلاف كان هو أخطر مهمة قد يقوم بها المصري القديم في كل حياته، فقد كان المصري القديم يعيش ويكافح طوال حياته من أجل تأمين المال اللازم لتحنيطه هو وأفراد أسرته ولانزال حتي يومنا هذا نملك هذا الاعتقاد في داخلنا ولكن مع اختلاف الأسلوب، فقد حل الكفن والمدفن مكان عملية التحنيط التي لاتزال إلي يومنا هذا تذهل العالم وتتحدي عبقرية العلوم الحديثة .

والاستخلاص الذي يتضح لنا الآن، يؤكد أن هناك ملايين من المومياوات (المصريين) لاتزال كامنة في باطن الأرض إذ أنها لم تكتشف بعد ومن هنا يبدأ الطريق الأول في رحلة البحث وسوف يكون لعلم الهندسة الوراثية الكلمة العليا في فك رموز اللغز الأكبر الكامن خلف ماضينا السحيق، فنحن لا يمكن لنا أن نجزم بتاريخ قاطع عن بداية تحنيط الأجساد في مصر مادام هناك أجساد محنطة لاتزال باقية في باطن الأرض ولم تختبر وراثيا بعد، مازال الطريق طويلا وقد يكون عسيرا ولكنه يبقي طريقا واضحا لبلوغ الحقيقة التي نأمل أن ينال هذا الجيل نصيبا منها .

هذه مجرد مقدمة بسيطة، ولكنها جديرة بأن تخصص فى مقال منفرد فقط لكى نؤكد أن مستقبل مصر يكمن فى ماضيها وطريق النجاح الحقيقي يبدأ من داخلنا نحن أحفاد العظماء الذين أبهروا العالم ومازالوا إلى يومنا هذا يفعلون والأمل معقود على هذا الجيل الذى فجر مفاجآت مدوية وسطر دروسا فى الحرية والشرف سوف تتعلم منها الشعوب لأجيال عديدة قادمة .

والذى نأمله من مصر وتاريخها هو جد كثير وغزير وقد يعيد صياغة الأيام ومعها الإنسان المصرى المعاصر من جديد.
الجريدة الرسمية