عظمة القرآن في عيون القراء (1)
لكلام الله عظمة يستحيل على أهل البيان جميعهم وصفها كما تستحق وإن اجتمع الإنس والجن لمحاولة وصفه، ولا عجب في ذلك؛ فقد شهد بأشد من ذلك وصفا الوليد بن المغيرة حينما قال في القرآن الكريم، «إن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته».
قالها الوليد في لحظة مصارحة وموضوعية وصدق مع النفس لم تلبث إلا أن تزول بتحريض آثم وتناقض غريب فعاد إلى سيرته الأولى يقول البهتان في حق ما سبق أن وصفه بأجمل الكلمات ويزعم أنه «سحر يؤثر» فكان جزاؤه العذاب في الآخرة والخزي في الدنيا.
مشهد مهيب
وبعود حميد إلى السادة المقرئين يلحظ المتابع لتلاواتهم الجميلة وأصواتهم التي وهبها الله لهم ليتلوا كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار يأثروا الألباب تجد كثيرا منهم يقرأون في تذوق للمعنى واستمتاع بجماله ورونقه فما أن يصل أحدهم بتلاوته إلى سورة «غافر» وقوله تعالي «لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ»، حتى يقف تارة ويعيد أخرى وكأن الاستفهام قد آثر لبه وتشربه فؤاده، فيقرأه «لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ…» ويسكت ويعيد الآية على النحو التالي: «الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ»؛ فيتبادر إلى ذهن السامع أن القرآن يطرح الإجابة عن سؤال يستوي مع أرقى درجات المنطق في مشهد مهيب يجدد التأكيد أن القيومية والعظمة لله الواحد القهار وحده.
يقرأ أحدهم قول الله تعالى في سورة النمل «أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ» فيعيد في الآية جيئة وذهابا ووصلا ووقفا، فتجده يقرأها في إعادته لجزء منها: «...إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ» فكأن المعنى أنهم يتطهرون من فعل أهل تلك القرية وهم طاهرون بعيدون عما فعله أهلها من رذائل تتنافى مع فطرة الله التي فطر الناس عليها.
يظهر جمال النص لقرائه في قوله تعالى في سورة «التحريم»: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ ۖ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ»، ويقرأه أحد القراء في إعادته للآية أثناء التلاوة تاليا الآية على النحو التالي: «الْيَوْمَ ۖ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ».
وهكذا تظهر أوجه أخرى من الجمال هي أشد نورا في عيون القراء الذين طالما عاشوا مع كتاب الله تلاوة وحفظا ودراسة فنهلوا من فيض بحر خضم وتلذذوا بالمعاني كما تمتعوا من قبل بالحفظ.. إنها المعاني الراقية والسمو الروحي في أسمى صوره وأرقى معطياته.. بل إنه الركيزة الأساسية لهويتنا العربية والإسلامية. إن كان لنا إرادة بشأن حمايتها والحفاظ عليها.