انقلاب في ألمانيا
لم تتم المحاولة، لكن الخبر في حد ذاته تم، وهو صادم وجعل الناس يتعجبون، إذ لم يسمع العرب ولا الأفارقة، والشرق الأوسط بصفة خاصة، أن أوروبا عرفت الانقلابات منذ عقود وعقود، فما بالك بألمانيا القوة الاقتصادية الأولى في القارة العجوز، الأساس الذي شيد مع فرنسا الاتحاد الأوربي، هل يعقل قط أن تكتشف السلطات مخططا متكاملا للإطاحة بالجمهورية وبناء جيش ألمانى جديد، وإعادة تأسيس الأمبراطورية؟
التنظيم هو حركة مواطني الرايخ اليمنية شديدة التطرف، التى تؤمن أشد الإيمان بأن ألمانيا الحالية دولة واقعة تحت الاحتلال الأمريكي، وهى حركة لا تعترف بالمستشارية ولا البوندستاج، ولا الحدود الحالية للدولة الألمانية، ولا بالمهاجرين، وتستهدف كل خطط هذا التنظيم استعادة ألمانيا الامبراطورية.
فى نوفمبر من العام الماضي تأسس الهيكل التنظيمي للمجلس، يسمونه المجلس، وهو بمثابة العقل المفكر، وهو مجلس الوزراء، وبالفعل رسموا وزراء لكل قطاع، وهم فى مجموعهم من ٢٥ ألف إلى ٣٠ ألفا، أما القيادات التى اعتقلت داخل ألمانيا، فعددها حتى الآن ٢٥شخصا، على رأسهم قائد التنظيم، وكانت الحكومة الألمانية نشرت أكثر من ثلاثة آلاف جندى، شرطة واستخبارات، للتفتيش والقبض على المشاركين في ١١ ولاية، وكل ولايات ألمانيا ست عشرة ولاية!
حركة متطرفة
وقامت إيطاليا بالقبض على ضابط ألماني سابق، يعمل في الشبكة التى وصفها الادعاء العام الألماني بالإرهابية، ومن المؤكد أن أوروبا كلها الآن في حالة استنفار قصوى، وستقوم الحكومات هناك بحملات تعقب ومداهمات، خشية أن تكون للحركة الألمانية روافد وأذرع، أو أن تكون هناك منظمات قائمة بذاتها ترفض المؤسسات الدستورية شأنها شأن حركة مواطنى الرايخ.
من تحليل المعلومات الكثيرة التى كشف عنها المدعي العام الألماني، وهى رغم كثرتها تعد أولية، يمكن القول أن المعلوم حتى الأن هو قمة جبل الجليد، لأن حركة أعدت بالفعل خططا لاسقاط الدولة، والبدء بالبرلمان، لابد أنها جهزت أسلحتها، ولابد أنها تمكنت من اختراق مؤسسات الدولة، وبالفعل تبين أن لها كوادر نشطة، وكامنة في الاجهزة السيادية، بل وفي الجيش، في القلب منه قوات النخبة الألمانية.
ماذا تريد هذه الحركة المتطرفة؟ تريد استرداد ألمانيا الثلاثينيات، بلا إحتلال أمريكي، بلا وافدين ومجنسين، وهى فى ذلك مجددة للفكر النازى تعمل على إحيائه. بينما كانت الخطط جاهزة للانقضاض علي مبني البوندستاج، البرلمان، كانت الاستخبارات الالمانية ترصد وتتابع، ولابد أنه وقع تعاون صامت واسع النطاق مع الشركاء الأوربيين، وإيطاليا في المقدمة، إذ يحكم روما الأن حزب متطرف، لم يأت بالسلاح، بل جاء به الناخب الإيطالي!
المزاج الأوروبي في الوقت الحالي إذن يميل إلى استخلاص أوروبا للأوروبيين، وتوفير فرص العمل خالصة لهم، لا ينازعهم فيها عرب ولا مسلمون ولا أفارقة.. لكن الخبر بحق عجيب وغريب، أن تحبط الحكومة الالمانية تنظيما إرهابيا مسلحا، يضم عناصر برلمانية ومخابراتية وعسكرية، خطط لانقلاب يطيح بالجمهورية، شئ لا يصدقه عقل!