رئيس التحرير
عصام كامل

الدولة ليست حاضرة.. سمعت يا محافظ الدقهلية؟

الخطاب السياسي للرؤساء عامة يخضع عادة للنظر والتحليل، لما فيه من إشارات إلى أخبار أو نوايا، أو إعلان عن خطط، فالشعب يحتاج إلى المعرفة الموثقة عبر الخطاب الرئاسي. وفى حالة الرئاسة المصرية، فإن الخطاب السياسي فى مصر لا يقتصر على بيان المقصود من مخاطبة الشعب، بل يتجاوزه إلى دور القائم بالاتصال الجماهيرى، والمصطلح الأخير يعني أن الرئيس يقوم بدور إعلامى، إلى جانب عمله السياسي الشامل. 

 

وفى مداخلته مع وزير الإسكان الدكتور عاصم الجزار، في افتتاح مدينة المنصورة الجديدة منذ أيام، عكست ملامح الرئيس نظرة أسى، فقد أفاض فى الحديث عن شكل المنصورة قبل مائة عام وشكل الشوارع الآن، بسبب الانفجار السكاني المفرط، بلا حسيب، ولاحساب، ومن ضمن الصور التى طلب الرئيس إعادة عرضها كان شارع صيام الرئيسى، حيث لافتات السادة الأطباء تتلاقي عبر اليمين واليسار في شكل فج ممجوج، بلا أدنى ذوق، وكأنه صراخ إعلاني على طريقة أصحاب السيرك والموالد، قرب قرب تعالى شوف! 

الدولة ليست حاضرة

لم ير الرئيس شارع السكة الجديدة، وشارع بورسعيد، ومعظم الشوارع عند جامعة المنصورة ومستشفياتها، إذ تتنافس اللوحات الاعلانية للأطباء والباعة والتجار فى خلق منظر قبيح بشع منفر، يتجافى مع الرقة واللطف والنظافة وجمال المنصورة وأهلها.
 

ولأنى ابن المنصورة، وأعشق مدينتى التى هى حب الأزل وخفقة التاريخ، فإنى شعرت بأسى الرئيس مضاعفا.
يتحدث رئيس البلاد عن الهوية الجمالية التى غابت ودمرها التوحش السكاني، وانعدام الذوق الجمالي، وهو ما أشار إليه أيضا عن القبح المتمدد على ذراعي الطريق الدائرى بالقاهرة.. ماذا قال الرئيس إذ يرى شيوع القبح: الدولة ليست حاضرة.


بعبارة أخرى، الدولة غائبة. محافظ الدقهلية ممثل الدولة لم ير القبح الذي رآه رئيس الدولة. لقد اعتاده! والحق أن الرئيس متسق مع ذاته، حين يقول علنا إن الدولة التى يرأسها غائبة عن فرض وجودها القوى لمنع القبح والتردى في الذوق، ولابد أن محافظ الدقهلية كان فى حال من الخجل، لكنه احتفظ بوجه الضيف الشارد، في الصف الثاني خلف الرئيس.


نعم يا ريس، إنك تواجه الأمور بأسمائها في شجاعة نفس سوية، لا تتملق الجماهير ولا تغطى على مسئول، بل ولا تخدع ذاتها، فالدولة غائبة عن الشارع المصرى الذي تضرب فيه البلطجة بقوة، وبلا رادع، والدولة ليست حاضرة في جنون المرور والعبث بالأرواح، وغائبة تماما، يا سيدى يا وزير النقل والطرق والمواصلات، عن مصائد الموت الأسمنية تنتشر على الدائرى وطريق مصر الاسكندرية، تلك الألسنة الخرسانية الناشبة وسط الطريق، بلا إشارات ضوئية، كأنما وضعت عمدا لتقتل وتدمر السيارات ومن فيها.

 


الدولة ليست حاضرة فى فوضى التكاتك، التى يتصرف سائقوها على أساس أن معهم ترخيصا بممارسة القبح والعربدة بمكبرات الصوت تطلق أغان سوقية حقيرة.
حين يطالب رئيس الدولة بان تكون الدولة حاضرة، فإنه يعنى تطبيق القانون، ومواجهة الفساد باشكاله كافة، وأن علي المحافظين أن يكونوا عين الدولة وقانونها مدركين للرؤية العامة للنظام ومنطلقات تفكيره، وأن يروا بنفس الحس والذوق، مايراه ويحلم به رجل يريد لوطنه الجمال والكفاية.

الجريدة الرسمية