خبايا القمة الخليجية العربية الصينية، تعظيم التعاون الاقتصادى والتنموى العربي الصيني في ظروف دولية تشهد اضطرابا كبيرا
فى ديسمبر المقبل ستنعقد قمة عربية صينية مشتركة بالمملكة العربية السعودية التى تستضيف الحدث فى محاولة جادة للارتقاء بالعلاقات العربية الصينية وتعظيم الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين إلى آفاق أرحب وبما يخدم المصلحة المشتركة وتعزيز فرص الحل السياسي والدعوة لرفض التدخل الإقليمي فى الشئون الداخلية للدول العربية.. ولكن ما خبايا القمة وأى رسائل من خلفها؟
فرصة استثنائية
الخبراء يعتبرونها فرصة كبيرة واستثنائية يمكن أن تمثل محطة بارزة فى مسيرة الشراكة الاستراتيجية بين الدول العربية والصين، كالتعاون الاقتصادى والتنموى العربى الصيني، ولا سيما فى الظروف الدولية التى تشهد اضطرابًا كبيرًا وتمر بمتغيرات كبيرة تدعو إلى بذل المزيد من الجهود من كل الأطراف لرسم استراتيجية تعاون تؤسس لمستقبل جديد للعلاقات العربية وتسهم فى صناعة المستقبل الدولى الجديد بأقطاب متعددة، وبنظام دولى جديد يتأسس على قيم الحرية والعدالة.
ويرجع ذلك إلى أن الصين تعد الشريك التجارى الأكبر للأقطار العربية، إذ بلغ حجم التبادل التجارى بينهما حتى سبتمبر 2021 نحو 330 مليار دولار أمريكي عن العام الماضى بزيادة بلغت 37%.
وكانت جامعة الدول العربية أكدت من خلال مساعد الأمين العام للجامعة خليل الذوادي أن القمة العربية الصينية الأولى تمثل علامة فارقة فى الشراكة الاستراتيجية بين الدول العربية والصين، كما ثمن الجهود التي تبذلها الدبلوماسية الصينية لدعم الهموم العربية وإيجاد حلول سلمية للأزمات القائمة فى المنطقة، وذلك خلال المنتدى الصينى العربى الثالث للإصلاح والتنمية الذى أقيم مع الجانب الصينى عبر إحدى المنصات الرقمية.
وبدوره علق عماد الأزرق مدير مركز التحرير للدراسات والبحوث المتخصص فى الشأن الصيني، على القمة الخليجية العربية الصينية المقبلة قائلًا: «ترتبط الدول العربية والصين بعلاقات وطيدة للغاية وهناك تقارب كبير فى التوجهات والسياسات ودعم متبادل للمواقف السياسية المختلفة فضلا عن التعاون الاقتصادى والثقافى وتضاعف التبادل التجاري فى السنوات الأخيرة حيث ارتفع حجم التبادل التجارى بين الصين والدول العربية من 36.7 مليار دولار عام 2004 عند تأسيس منتدى التعاون الصينى - العربى إلى 330 مليار دولار عام 2021، ووصلت الاستثمارات الصينية فى الدول العربية 213.9 مليار دولار عام 2021.
وأضاف: بالتأكيد القمة العربية – الصينية ستكون فرصة سانحة للجانبين لتنسيق التعاون الجماعى والعمل على بناء استراتيجية متكاملة للتعاون المشترك وخلق مجتمع مصير عربى – صينى مشترك، بما يعني ذلك توحيد الاستراتيجيات والتوجهات والخطط التنموية المشتركة اقتصاديا واجتماعيا، والبحث فى كيفية التعامل مع شواغل الجانبين فى مختلف المجالات.
استراتيجية متكاملة
وأشار الأزرق إلى أن الثقة بين الجانبين موجودة بالفعل من خلال المواقف الكثيرة التى أثبتت قدر الصداقة بينهما منذ تدشين العلاقات المشتركة بين الصين والدول العربية إذ تعتبر الصين الدولة الوحيدة فى العالم التى لم تتغير مواقفها من دعم كافة القضايا العربية وفى مقدمتها القضية الفلسطينية، كذلك دعم الاقتصادات العربية من خلال الاستثمارات الضخمة فيها والتبادل التجارى واعتمادها بشكل كبير فى توفير احتياجاتها من النفط على الجانب العربي.
استكمل: بالإضافة إلى التعاون الكبير فى مواجهة جائحة «كوفيد – 19»، كل ذلك يؤكد على الثقة القوية المتبادلة بين الصين والدول العربية، ورغبتهما فى استثمارها والبناء عليها، مضيفًا:» كل ذلك يرشح أن تكون القمة العربية – الصينية المقبلة نقطة تحول كبيرة فى العلاقات فيما بينهما، بما يرتقى بمستوى العلاقات المتبادلة، ويعزز التعاون فى مختلف المجالات.
وأشار الأزرق إلى تقديره أن أهم صور التعاون التى يجب على الجانبين التركيز عليها هى تحقيق تنمية حقيقية فى المنطقة العربية من خلال توسيع الاستثمارات الصناعية والزراعية، وتوطين التكنولوجيا والتعاون العلمي لتحقيق طفرات تنموية اقتصادية واجتماعية وتكنولوجية حقيقية بما يحقق المنافع المتبادلة والفوز المشترك، ويمكن المنطقة من امتلاك عناصر القوة المختلفة، فى إطار الشراكة والتعاون الذى يستهدفه الطرفان، ويحقق الوفاء والرخاء لشعبى الأمتين العربية والصينية.
بينما رأت الدكتورة نادية حلمى الخبيرة فى الشئون السياسية الصينية- أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف، أن عقد ثلاث قمم إستراتيجية خليجية عربية صينية هى الأولى من نوعها فى التاريخ الصينى الخليجى العربى المعاصر موضحة أن القمة الأولى المرتقبة بين الرئيس الصينى «شى جين بينج»، مع ملك المملكة العربية السعودية وولى العهد محمد بن سلمان ستكون خاصة بالعلاقات بين البلدين.
وتابعت: هناك أهمية ضخمة لتلك القمم الثلاثة مجتمعة مع الصين ولاسيما فى ظل حالة التموضع الجيوسياسى لدول الخليج والدول العربية، لذا فإن مصلحة الصين تكمن فى الحفاظ على علاقات قوية مع هذا التكتل الدولي لإنجاح مبادرة طريق الحرير الصينية لأن الدول العربية والخليجية تمتلك الجانب الجيوسياسى المهم من المبادرة عبر القارة الأفريقية بإطلالتها على البحر الأحمر والبحر المتوسط وقناة السويس، بالإضافة إلى حوض الخليج العربى.
واستكملت حلمى مؤكدة أن لتلك القمم الثلاثة الصينية الخليجية العربية المشتركة أهمية كبيرة، بالنظر لاستمرار الصراع بين روسيا وأوكرانيا، بما له من تداعيات خطيرة على الشرق الأوسط، وأن استمرار تلك الأزمة، سيؤدى إلى عواقب وخيمة على كافة الأطراف، مع اتفاق عدد كبير من الأطراف العربية مع الصين برفض تلك الهيمنة الأمريكية والقطبية الأحادية على العالم، والاتفاق بأن تلك العقوبات الغربية على روسيا هى عقوبات تعسفية، مع التشديد الصينى بأهمية المنطقة العربية والخليجية وأهمية تقديم الدعم لقياداتها وشعوبها، لذلك فإن هذا التعاون الصينى - العربى - الخليجى المشترك، يعد خيارًا إستراتيجيًا من كافة أطرافه الصينية الخليجية والعربية.
وأضافت: الجديد فى الأمر هو دفع الصين خلال الفترة المقبلة لعقد مؤتمر سلام دولى على نطاق واسع، بغية إيجاد حل عادل وشامل ودائم للقضية الفلسطينية فى أقرب وقت، وتجد الصين بأنه بات من الملح بناء منظومة الأمن الجماعي بالتعاون مع المنطقة العربية ودول الخليج العربى، فالسعى نحو الأمن المطلق أو الانفراد بالأمن سيؤدى إلى طريق مسدود من وجهة النظر الصينية الخليجية العربية المشتركة، لذلك فإن دولة الصين تدعو إلى بناء (منصة متعددة الأطراف للحوار) فى المنطقة مع تبنى الصين لأجندة خاصة فى تحقيق التقارب الخليجي الإيراني ودفع عجلة التصالح بين الطرفين برعاية صينية، وفق منصة حوار متعددة الأطراف.
وتابعت: تتفق الصين مع كافة الدول العربية والخليجية بأن )الديمقراطية وحقوق الإنسان(
تعتبران من القيم المشتركة للبشرية جمعاء، وليستا من براءات الاختراع الخاصة ببعض الدول كالولايات المتحدة الأمريكية، كما أن الديمقراطية وحقوق الإنسان ليستا حقًا حصريًا للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها فى الغرب، لذا فإن عقد تلك القمم الثلاثة الصينية الخليجية العربية، يأتى تأكيدًا من جمهورية الصين الشعبية، بأن نظام الشورى فى العالم الإسلامى والديمقراطية الشعبية بكامل عملياتها فى الصين، تعد من الثروات الحقيقية للحضارة السياسية العالمية، مع اتفاق الجميع فى هذا الإطار، بأن حق البقاء وحق التنمية هما فى مقدمة حقوق الإنسان الأساسية بالنسبة إلى الدول النامية.
تقارب الرؤى حول حقوق الإنسان والتنمية
وأوضحت أن الصين ستحرص خلال القمة المرتقبة مع السعودية ودول الخليج العربى وكافة الدول العربية على بذل الجهود المشتركة مع دول الشرق الأوسط على الدفع بتسوية الخلافات عبر الحوار وتخفيف حدة الصراع بين روسيا وأوكرانيا وتهدئته، وإعطاء الأولوية لمواجهة التحديات الملحة فى مجالات الطاقة والغذاء والمالية من أجل استيعاب وتجنب الآثار السلبية الناجمة عن العقوبات الأمريكية الأحادية الجانب.
وتابعت: هناك العديد من آفاق التعاون الصينى العربى المشترك يمكن مناقشته خلال القمة العربية الصينية المرتقبة التى تهدف فى المقام الأول إلى بحث وإيجاد سبل تعزيز التنمية المشتركة وتكامل استراتيجيتها فى إطار المبادرة العالمية للتنمية والتى أطلقتها الصين بعد مبادرة «الحزام والطريق»، وهى تلك المبادرة التى تُعنى بقضية التنمية، وتهدف إلى توجيه الجهود العالمية صوبها لضمان تحقيق تنمية عالمية شاملة ومتوازنة، ودفع الجهود لتحقيق الأهداف الإنمائية التى عُرفت بأجندة الأمم المتحدة للعام ٢٠٣٠ للتنمية المستدامة.
وأشارت الخبيرة فى الشؤون السياسية الصينية إلى أن هناك الكثير الذى ينتظر من القمة العربية الصينية المشتركة وكذلك القمة الخليجية الصينية المشتركة للبحث فى زيادة فرص التبادل التجارى والاستثمارى بين الطرفين، خاصةً وأن الصين هي الشريك التجاري الأكبر للأقطار العربية، إذ بلغ حجم التبادل التجارى بينهما نحو 330مليار دولار فى عام 2021
وأضافت: هنا لابد من التأكيد على ظروف عقد تلك القمة العربية الصينية لترسيخ التعاون الاقتصادى والتنموى العربى الصينى وفتح آفاق تنموية كبيرة، ولا سيما فى تلك الظروف الدولية التى تشهد اضطرابًا كبيرًا بعد الحرب الروسية الأوكرانية والأزمات الاقتصادية بسبب انتشار جائحة كورونا وغلق الحدود بين الصين ودول العالم والمنطقة لفترة طويلة.
نقلًا عن العدد الورقي…،