الغداء الجماعي.. طقس تتوارثه الأجيال بنجع حمادي.. يتشاركون الطعام ابتهاجا بانتهاء وباء الكوليرا|فيديو وصور
مع انطلاق آذان الفجر، يخرجن مرتديات ملابسهن لكلا منهن طريقة تحضير تختلف عن الأخرى، فسيدة تقف أمام الفرن البلدية لخبز العيش الشمسي، وأخريات يقفن امام البوتاجازات لطهي الطعام، ومع زقزقة العصافير وبزوغ صباح يوم الجمعة ينتهين من العمل.
يخرج الرجال مرتدين الجلباب الصعيدي، وينتظروا أمام مساجد قرية النزلة التابعة لشرقي بهجورة بمدينة نجع حمادي، استعدادا لأداء صلاة الجمعة، ممسكين بأطفالهم الصغار، والجميع ينتظر المؤذن والإمام وعقب الانتهاء من صلاة الجمعة يخرج الجميع كخلية نحل حاملين على رؤوسهم الصواني التي عليه خيرات من الله.
يفترش الجميع الأرض ويضع الصواني على قارعة الطريق بعد أن يعلن الأمام في الميكروفون، “داووا مرضاتكم بصدقات، أخرجوا صداقاتكم ” وهنا يجلس الكبير والصغير والغني والفقير لا يفرق أي شيء.
طقوس الغذاء الجماعي
يقف العديد من الأهالي واضعين الطعام على الصواني من لحوم ودجاج وفطير بتقلية وعيش شمسي وملوخية وأرز وغيرها من الطعام المتنوع، يجلس الجميع لتناول وجبة الغذاء.
يقول محمد محمود، أحد أهالي القرية أن هذه العادة سنوية متوارثة عن الآباء والأجداد، ونحن هنا عدة مجموعات لكل فريق مهام عمله والتي نقوم فيها بتوزيع العمل من توزيع الطعام علي الأهالي وبعد الانتهاء من الوجبات التي تكون على قارعة الطريق بالقرية، تبدأ مجموعة أخري في عمل وجبات مكيسة أو مغلفة لتوزيعها على البسطاء من الأهالي الذين لا يحضرون إلى الوجبة.
الجمعة الأخيرة من نوفمبر
تحضيرات من الأسبوع الأخير، في شهر نوفمبر، تمهيدا ليوم الجمعة الأخيرة من هذا الشهر لتقديم وجبة الصدقة فرحا بيوم انتهاء وباء الكوليرا من مصر ونجاة أهالي القرية.
يقول عاطف محمد، أحد أهالي القرية، إن هذه التحضيرات تتم بالتعاون بين أبناء القرية الذين يصرون على حضور تلك الوليمة من كبير وصغير وحتي يشارك فيها الكل فمثلا النائبة رحاب الغول وهي ابنة النائب عبدالرحيم الغول وأبناء القرية يحضرون إلى الوليمة وحتي هذا العام حالت الظروف دون حضروا النائبة فأرسلت وجبات مغلفة لتوزيعها علي الأهالي كما اعتادت في ورث عن والدها ومشاركة أهل القرية.
وأكد صابر محمد، أحد أهالي القرية، أن هذه اليوم سنويا يجتمع الكبير والصغير والكل دون أي تفرقة بيننا لمشاركة ونحضر أطفالنا حتى يكملوا مسيرتنا كما اكملنا نحن مسيرة ابائنا واجدادنا.
تاريخ وباء الكوليرا
وسرد محمد محمود، مدرس لغة انجليزية، قصة تاريخ الكوليرا الذي انتشر في مصر في عام 1920 فتك بالكثير من أبناء هذه البلدة ولكنه لم يستطيع أن يهزمه بل تغلبوا عليه ونجاة القرية بالكامل من هذا الوباء اللعين، ومن هذا اليوم بدأ نذر الصدقة وفاءا بنجاة القرية من الوباء ويكون في نهاية شهر هاتور أو نوفمبر.
وأكد علي أن أهالي البلدة يحرصون على هذه العادة السنوية وفاءا لأجدادهم وابائهم الذين أوصوا بهذا الامر، لافتا إلى أن التحضيرات تبدأ في القرية من الرجال منذ يوم الخميس وحتي صباح يوم الجمعة.
يحضرون من القاهرة
وأكد محمد السباعي، أحد أهالي القرية الذين يعيشون في محافظة القاهرة ولكن منذ عامين تقريبا بدأ يسمع به ولذا يحضر من القاهرة ليخرج بصنية محملة بالطعام كوصية الاهل التي التي ينفذها الجميع قائلا: " علمت بتلك القصة منذ عامين تقريبا ولا زال أعمامي واجدادي موجدين في القرية ولذا حرصت علي الحضور سنويا، لرؤية الأهل والأصدقاء ابتهاجا بهذا اليوم الكبير.
وأشار إلى أن الجميع هنا يجتمع من أجل هذا اليوم وكل شخص يقدم ما لديه دون أي طلبات كلا حسب مقدرته للمشاركة والمحبة بين الجميع.
بعد مؤتمر المناخ “جريت ألحق الصدقة”
بتلك الكلمات بدأ محمد عبدالرحيم، سائق وحاصل على كلية شريعة وقانون، وأحد أهالي القرية، أنني كنت في مؤتمر المناخ وأصريت علي الحضور مسرعا عقب انتهاء المؤتمر قمت بتسليم الاتوبيس للشركة وأسرعت للحضور مع أهلي كعادة كل سنة، فالجميع هنا يعمل ويقدم ويقوم به دون اي تكلف او تكبر وليس ها صدقة منا بل أنه في حب وصية أهلنا السابقين.
وطالب الجميع أن يستمر على تلك الوصية مهما كانت التكليفات والتحضيرات ورغم غلو الأسعار لا يستطيع أحد التوقف عن تلك العادة التي نجتمع فيها ويقف الكل الي جوار بعضه البعض، كما أن هناك الفقير الذي ينتظر لقمة هذا العادة وهناك من لا يستطيع شراء كيلو اللحم او الدجاج.
جدير بالذكر أن قرية النزلة التابعة لشرقي بهجورة بمدينة نجع حمادي، شمال محافظة قنا تحتفل سنويا بعادة الصدقة ابتهاجا بنهاية وباء الكوليرا من مصر ونجاة أهل القرية منه، ويكون هذا في نهاية شهر نوفمبر بالتحديد الجمعة الأخيرة من هذا الشهر.