اللواء الأبيض ومقتل السردار.. و ذكرى زلزال سياسي!
اكتشف المصريون الخدعة - في مثل هذه الأيام قبل ٩٨ عاما - فلا ثورة ١٩ حققت أهدافها ولا الاستقلال الوهمي منحهم الحرية ولا دستور ٢٣ غير أي شئ! وطنيون مخلصون يؤمنون أن الإنجليز لن يجدي معهم إلا القوة وهي اللغة الوحيدة التي يفهمونها.. فقرروا بعد عدة بطولات بعضها شهير القيام بعمل كبير مدوي يعيد القضية الوطنية المصرية إلى الواجهة!
هناك في شارع الطرقة الغربية (شارع إسماعيل أباظة الآن) الذي يربط بين شارعي القصر العيني ونوبار حيث كانت مجموعة من شباب جمعية سرية أطلقت على نفسها اللواء الأبيض (وأطلقت عليها بعض الصحف أسماء أخرى) في إنتظار سيارة السير لي ستاك، الذي عرف بأنه قائد الجيش المصري! حاملا لقب سردار، وكان في طريقه من وزارة الحربية حيث عمله إلي حي الزمالك حيث مقر إقامته (نادي الضباط الآن)!
وما أن اقتربت سيارته حتي أطلقوا عليه وابل من النيران.. فأصيب إصابات بالغة وكذلك مساعده وسائقه ثم توفي بعد ساعات! وهربت السيارة بمن فيها! من كان فيها إذن؟! - للتاريخ وحتى يعرف شعبنا أبطاله ويخلدهم في الضمير الوطني - هم: عبدالفتاح عنايت الطالب بكلية الحقوق وشقيقه عبدالحميد الطالب بكلية المعلمين وشفيق منصور (محام) وكان نائبا بالبرلمان ومحمود إسماعيل موظف وإبراهيم موسى وعلى إبراهيم وراغب حسن (عمال بسطاء) ومحمود راشد سائق السيارة!
استقالة سعد زغلول
انقلبت الدنيا ولم تقعد من لندن إلى القاهرة إلى الخرطوم التي كان يحكمها الإنجليز أيضا.. أول إجراء كان رصد عشرة آلاف جنيها لمن يدلي بمعلومات ضد المجموعة الوطنية.. وثانيها تصريحات مهينة للمسئولين المصريين.. حتى نشرت الصحف - الأهرام وغيرها ولعدة أيام من ٢٤ نوفمبر حتى صدور الحكم في يونيو ١٩٢- تصريحات لسعد زغلول كان أولها هو: "أسفى الشديد جدا لهذه الجناية الفظيعة ولا أدرى إلى أي غاية رمى الجناة ولا إلى أي طبقة من طبقات الأمة ينتسبون ولا إلى أي هيئة سياسية أو حزب سياسى ينتمون ولكن على أي حال أعتقد أن الذين ارتكبوا هذا الإثم العظيم لم يرموا إلا إلى الإخلال بأمن البلاد وراحتها"!
ومع ذلك قدم لها الإنجليز وكان سعد زغلول رئيسا للوزراء عدة مطالب قالوا إنها للتنفيذ الفوري.. كانت وبعد مقدمة مقتضبة كالتالي: ".. وبناء على ذلك تطلب حكومة حضرة صاحب الجلالة من الحكومة المصرية أن تقدم اعتذارًا كافيًا عن الجناة وأن تتابع بأعظم نشاط ودون مراعاة للأشخاص البحث عن الجناة وأن تنزل بالمجرمين أيًا كانوا أشد العقوبات وأن تمنع من الآن فصاعدًا وتقمع بشدة كل مظاهرة شعبية سياسية..
وأن تدفع الحال إلي حكومة حضرة صاحب الجلالة غرامة قدرها نصف مليون جنيه وأن تصدر في خلال 24 ساعة الأوامر بإرجاع جميع الضباط المصريين ووحدات الجيش المصري من السودان مع ما ينشأ عن ذلك من تعديلات ستعين فيما بعد.."!
واستمرت قائمة المطالب.. المؤسف أن الحكومة وافقت على المطالب الأولي ومن بينها الاعتذار ورفضت الباقي لأنها لا تملكه.. وانتهى الأمر إلى استقالة سعد زغلول.. لكن إنتهى إلى ما هو أهم.. حيث توصل الإنجليز إلى الأبطال.. وصدر حكم بإعدامهم جميعا عدا السائق بالسجن.. ونفذ الحكم فيهم عدا عبد الحميد عنايت ليس لعدم إعدام شقيقين في قضية واحدة إنما لصغر سنه وقت الحادث، وكان ابن الـ ١٨ عاما، وقضى للأسف العقوبة كاملة فلم تتحرر مصر إلا بعد ثورة يوليو، وألف في السجن كتاب "الشدائد.. كيف تصنع رجالا"!!
وتحتفظ السجلات بأقوال الشهداء عند الإعدام وهي مؤثرة ربما أكثرها ألما ما قاله الشهيد محمود اسماعيل الذي صعد إلى المشنقة قويا ثابتا وقال: "أنا قوي وشديد يمكنني أطلع المشنقة إن دمي على رأس الذي ظلمنى.. أنا وإبني وأهلي فداء لمصر وليسقط الظلم"!
اعرف تاريخ بلدك وأبطالها.. وما قدم من تضحيات من أجل حريتها.. خصوصا وحملات الزيف وتبييض عصر الاحتلال من عملاء الإنجليز اليوم.. لا تتوقف!.