دكاكين مصرفية مشبوهة
تماما كما ظهر رأس جبل الجليد فجأة أمام السفينة تايتنك، ظهر الرصيف الأسمنتي البارز على بعد عدة أمتار من سيارتي تحت جنح الظلام، فلم تسعفني الفرامل، ودخلت السيارة ببطنها في الصبة القاتلة ودمرت أحشاءها، ناقل الحركة والمقصات والعجلتين والايرباج. إصلاح سيارة مكلف، فما بالك وهي شبه مدمرة، طلبت اخوتي لاستعين ببعض المال، طبعا بالتليفون، وتيسر الأمر بحمد الله، غير أني لاحظت، وهنا بيت القصيد، أن صفحتي على الفيسبوك امتلأت بإعلانات عن شركات إقراض فوري!
لم تمر ساعة أو أقل حتى هبت موجات من شركات الإقراض وكلها تعلن عن توفير قروض للموظفين ولأصحاب المعاشات مهما كانت أعمارهم، ومهما كانت مديونياتهم ومهما كانت مبالغ معاشهم، بل يمكن إقراض الورثة أيضا!
لم يدهشني اكتشاف أن مكالماتنا تحت الرصد والمتابعة، وبياناتنا تباع للشركات، بل يدهشني أن هذه الدكاكين التي تقول أنها مستعدة لتقديم قروض من مائة ألف إلى مليون، لا تجد من يفحص نشاطها ويتعرف على مدى قانونيتها، وهل ما تعلن عنه نصب أم رفع هموم أم جر، جر فلوس الناس، نقل حساباتهم بالمعاش من البنوك إلي هذه الدكاكين المصرفية السرية، بل الافتراضية.
توظيف أموال
المستشار الأديب خالد القاضي بادر يرد على منشور لي يطالب جهات الاختصاص والرقابة المالية بالتحرك لفحص مشروعية هذه العلب المصرفية الإلكترونية، وأكد أن هذه شركات نصب، وجمع
أموال، ورأها البعض الآخر جماعات توظيف أموال مستترة فيها عشرات المستريحين. بعض هذه الدكاكين تبيع لك سلعا كهربائية يشتريها منك شخص بمعرفتها، ويمنحك المبلغ على سبيل القرض!
الحاجة إلى المال باتت ضاغطة جدا هذه الأيام، وأصحاب المعاشات في معاناة، وفي ألم عظيم، والموجع المفجع أن البنوك قررت لا إقراض لمن تجاوز الخامسة والستين من العمر، على أساس أن ابن الثلاثين لن يموت، وصاحب المعاش مقرر موته قريبا من هذه السن! لست افهم كيف يمكن للمصارف المصرية تقرير عمر إنسان، تكاد تقطع بقرب وفاته بعد سن الـ ٦٥!
نطالب الجهات الرقابية إذن بمتابعة المقرضين الوهميين، وإصدار بيان يقضي بصحة وجودهم وسلامة نشاطهم، وإنه تحت مظلة المالية أو أنهم بضعة لصوص، يتم تجريمهم، ومحاصرة اعلاناتهم، وتنوير الناس بما يروجون له من ضلالات. المحتاج لا يرى إلا حاجته، وهو يتعلق بأى طوق نجاة، وكثيرون في هذه السن ومع قلة المال، وكثرة الاحتياجات، يضطرون إلى التوقيع على إيصالات أمانة، أسهل الطرق إلى السجون.
وواضح طبعا إن هذه الدكاكين المصرفية لجأت إلى مخاطبة فئة المعاشات لإدراكها العوار المصرفي المصري الذي يفرق في شروط الإقراض بين رجل سيعيش ورجل سيموت، كأن عزرائيل منحهم بيان الوفيات المحتملين والمؤكدين.. احترموا عقول الناس.. واحترموا دينكم الذي يقطع بأن الأعمار، كبيرها وصغيرها، بيد الله وحده.. ولستم شركاء!