رئيس نصف المدة!
لكي نعرف الأهمية البالغة للانتخابات النصفية للكونجرس الأمريكي هذه المرة بخلاف مرات أخرى في انتخابات سابقة، يتعين أن نعرف أولا نظام وتكوين الهيئة التشريعية الكبرى في العالم.، وهى الكونجرس ومقره مبنى الكابيتول الذي تعرض لهجوم الشعبويين أنصار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يوم ٦يناير ٢٠٢١. يتألف الجسم التشريعي للولايات المتحدة من مجلس النواب ومجلس الشيوخ، ويبلغ عدد أعضاء مجلس النواب ٤٣٥نائبا، تجرى انتخابات تجديد نصفهم كل عامين، أما مجلس الشيوخ فيضم مائة سيناتور، ومدة العضوية ست سنوات، ويتم الاقتراع كل عامين على ثلث المائة أي ٣٤عضوا.
لمجلس النواب حق تشريع القوانين الفيدرالية، لكن الأغلبية العظمى من التشريعات تصدر عن المجالس النيابية المحلية للولايات، وحين يمرر النواب تشريعا فإنه يعرض للموافقة أو الرفض من الغرفة التشريعية الأعلى وهى الشيوخ، فلا يصير قانونا الإ بموافقة الأغلبية في الشيوخ، وبعدها يرفع للرئيس ليصدق عليه أو يرده ل الكونجرس لمزيد من البحث !
بطبيعة الحال فإن الرئيس الذي يكون الكونجرس من نفس حزبه، سيتمتع بموافقات مفتوحة على ما يرسله للكونجرس من تشريعات أو طلب أموال. أو فرض عقوبات أو إرسال أسلحة أو بيع معدات قتالية وطائرات. في العامين الماضيين كان بايدن مطلق اليد فيما يريده داخليا وخارجيا فهو رئيس من الحزب الديمقراطي، والكونجرس بغرفتيه معظمه ديمقراطيون.
انتخابات الكونجرس
أيام دونالد ترامب كانت الأغلبية جمهورية والرئيس جمهورى، تتمتع بحصانة من التحقيقات والملاحقات، كما منع الهجرة غير الشرعية من المكسيك لبلاده، ومنع مسلمين كثيرين من دول عربية، بموافقة الكونجرس. انتخابات التجديد النصفي التي تجرى يوم ٨ الجارى، أي بعد ٤٨ ساعة، تمثل جولة صراع استثنائية بالنسبة لادارة بايدن وكذلك بالنسبة لقرار ترامب بالترشح لسباق ٢٠٢٤ نحو البيت الأبيض. يسيطر العنف السياسي على أجواء هذه الانتخابات، بل إن رجلا دبر لقتل زعيمة النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي، واقتحم بيتها فوجد زوجها واعتدي عليه وهو يسأله: أين نانسي!
تحيط بالعملية الانتخابية للكونجرس أجواء شعبوية محمومة، تمثلها جماعات شعبوية تؤمن بأن الحزب الديمقراطي الحاكم سرق البيت الأبيض بالتزوير في انتخابات ٢٠٢٠، ويهددون بأن الانتخابات النيابية الحالية لو فاز فيها الديمقراطيون فسوف يرفضونها. العنف السياسي اللفظي سيتحول إلى رفض عارم مشحون بمصادمات كما جرى الحال حين اقتحم الشعبويون مبني الكونجرس على نحو جلب العارلأكبر ديمقراطيات العالم.
لو فاز الجمهوريون، وهذا مرجح، فإن يد بايدن ستبقى مغلولة في الانفاق وفي القضايا المحلية، وبخاصة قوانين الإجهاض والبيئة وحمل السلاح، كما أن حكام بعض الولايات سيكونون جمهوريين، ومع ذلك فأن الدستور منح الرئيس الأمريكي صلاحيات واسعة في العلاقات مع العالم الخارجي. لكن الجمهوريين يتربصون حاليا بإدارة بايدن فيما يتعلق بضخ الأموال إلى أوكرانيا، وصرح نواب بأن أوكرانيا لن تحصل على سنت واحد آخر من الأموال الأمريكية، وتعهد جمهوريون حاليون بأنه لو تحققت الأغلبية لهم فإن كييف لن تحصل على أسلحة أمريكية وأن البلد أولى بأموال دافعي الضرائب. وتوضح استطلاعات الرأي نزوع الأمريكيين إلى وقف دعم أوكرانيا، وأن اقتصاد بلادهم يحتاج أموالهم قبل غيرهم.
ما يخشاه بايدن وإدارته حاليا أن يرفض الجمهوريون نتائج الانتخابات لو فاز الديمقراطيون، لأن الشارع الأمريكي سيشهد أعمال عنف تقتل الديمقراطية وتنشر الفوضى، أما إذا فاز الحزب الجمهوري بالاغلبية فإن بايدن سيمضي العامين القادمين المتبقيين له في البيت الأبيض نصف رئيس تقريبا، بلا حول ولا قوة داخليا، لأن الجمهوريين سيعارضون أي قرار أو قانون أو تشريع أو طلب، أما خارجيا فسوف يستخدم صلاحياته الدستورية بأقصى ما تمنحه من قوة، لكنه سيبقى في نظر العالم -كما قلت- نصف رئيس، ونصف المدة.
على أية حال، تتبقى ٤٨ساعة ونعرف من القادم الجديد إلى البيت الأبيض، عبر انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي.